خبر : "سينما المستوطنات".. النافذة الخبيثة لثقافة الاحتلال

الثلاثاء 12 يناير 2021 09:56 ص بتوقيت القدس المحتلة

دائرة شؤون اللاجئين -12/1/2021- ربما نكون سهونا قليلا في خضم الاستيلاء والتجريف وبناء الوحدات الاستيطانية، عن فعل آخر لا يقل إجرامية عن سرقة الأرض، وهو الفعل الثقافي والحالة الثقافية التي نشطت في المستوطنات في السنوات الأخيرة.

سينما المستوطنات واحدة من الأنشطة التي بدأت تؤسس لحراك ثقافي يبرز المستوطنات كوجهة حضارية للإحتلال، وذلك من خلال دعم مالي كبير ومجلس مستقل لإدارتها ودعاية إعلامية تسوق الأفلام التي تنتجها المستوطنات.

يوجــد فــي الكتــل الاســتيطانية الثـلاث "آرائيــل"، و"معاليــه أدوميــم"، و"غــوش عتصيون" ثـلاثة من المراكز الســينمائية ودور العــرض وهــي تابعــة للمجلــس المحلــي لتلــك المســتوطنات، وتعمل بإشــراف رؤســاء المجالــس المحليــة لتلــك الكتــل الاســتيطانية، وهــي ليســت حكوميــة ولكنهــا تتلقــى التمويــل المالــي المباشــر مــن وزارة الثقافــة الإســرائيلية، وهنــاك مبلــغ آخــر مخصــص لدعــم الســينما فــي المســتوطنات مــن موازنــة المجالــس المحليــة للمســتوطنات أيضــا.

خلف صورة زعران التلال، الذين يقطعون الطرق ويرشقون المركبات الفلسطينية بالحجارة ويطلقون الرصاص صوب المواطنين ويهاجمون المزارعين في حقولهم، تقف جهات حكومية تنفق الملايين في سبيل تبييض صورة المستوطنات وخلق ارتباط ديني وتاريخي بين المستوطنين وأراضي الضفة الغربية والقدس، وإبراز وجه ثقافي لهم.

أولئك الذين لا يعرفون إلا ثقافة السرقة والتزوير تحاول حكومة الاحتلال أن تبني لهم ثقافة راقية من خلال سينما خاصة محلية ودولية يدافعون بها عن بقائهم ويدعون المزيد من يهود العالم إلى أرض فلسطين.

فحسب تقرير نشرته وزارة الثقافة الفلسطينية قبل عدة أيام، وافــق مجلــس الســينما الاســرائيلي التابــع لــوزارة الثقافــة الاســرائيلية في العــام 2015 علــى إنشــاء صنــدوق أفـلام للإنتاج الســينمائي فــي المســتوطنات بإشــراف "المجلــس الاقليمــي للمســتوطنات" كمشــروع يعمــل علــى تمجيــد الاحتلال "واسرائيل". وتــم تخصيــص مبلــغ مليــون ونصــف مليــون شــيكل لدعــم تلــك المؤسســة الســينمائية.

وأبــرز نشــاطات الاحتلال الثقافيــة فــي المســتوطنات فــي الضفــة الغربيــة والقدس هــو مبــادرة وزيــرة الثقافــة وقرارهــا الاســتيطاني الثقافــي الــذي يعمــل علــى الحصــول علــى شــرعية للروايــة الاســرائيلية وإحلالها محــل الروايــة الفلســطينية، حيــث قامــت بتخصيــص ثمانــية ملاييــن شــيكل مــن أجــل إنتــاج أفـلام فــي المســتوطنات تتحــدث عــن حيــاة المســتوطنين ونمط حياتهــم وقدرتهم علــى الســيطرة والاستيلاء علــى الارض الفلســطينية بمســاعدة الحكومــة الاســرائيلية، وأعلنــت رجيــف أنــه "لأول مــرة فــي تاريخهــا، صناديــق الســينما الاســرائيلية، يتــم دعــم الانتــاج الســينمائي فــي المســتوطنات"، وأضافــت رجيــف: "صنعنــا التاريــخ: حــان الوقــت لســماع الأصــوات القادمــة مــن المســتوطنات فــي الضفــة الغربيــة المحتلــة، والــذي ســيمنح دعمــا خاصــا للمنتجيــن الســينمائيين الذيــن يعيشــون فــي المســتوطنات، وأكــدت أن الخارطــة الثقافيــة الجديــدة ســوف تشــمل المســتوطنين وللمــرة الأولــى فــي صناعــة الســينما.

وفــي التفاصيــل وافــق مجلــس الفيلــم التابــع لــوزارة الثقافــة على تخصيــص ثمانيــة ملاييــن شــيكل رغــم أن المركــز ليــس متخصصــا فــي الســينما، لكنــه منــح أفضيلــة لدعــم صناعــة الأفلام الدعائيــة عــن الاســتيطان.

ونتج عن هذا الدعم تطوير "مشــروع ســينما الســامرة" هو مبادرة مشــتركة لمؤسســة "غيشــر" للســينما المتعددة الثقافــات ومركــز مجتمــع الســامرة، وهــو يقــدم طــرق تطويــر وإنتــاج للأفلام الوثائقيــة والأفلام الروائيــة لســكان المســتوطنات.

وكتبــت الصحفيــة "نيــر يتاندرمــان": لليهــود فقــط فــي المســتوطنات، مؤسســة أفـلام جديــدة لصناعــة الســينما فــي المســتوطنات.

وأطلقــت مؤسســة "غيشــر" مناقصــة عنصريــة كولنياليــة جديــدة لمــن يعتقــد أن العــرق اليهــودي متفــوق علــى العــرق العربــي ويفتــرض أن الحيــاة تحــت الحكــم العســكري هــي حــل مشــروع وعــادل للفلســطينيين. وقالــت المنتجــة الســينمائية "ليــران أتزمــور": بمجــرد إنشــاء صنــدوق يدعــم الأفلام مــن خــلال الأمــوال العامــة يكــون ذلــك فــي الواقــع ضمــاً زاحفــاً، يحــدث فــي الكثيــر مــن المناطــق بالطبــع، لكنــه يحــدث الآن أكثــر فــي مجــال الثقافــة."

ولقــي البرنامــج الدعــم مــن قبــل القائميــن علــى قطــاع الســينما وصناعــة الأفلام. فقــد كتــب رئيــس جمعيــة المخرجيــن ليمــور بنشاســوف، فــي نقــاش أثيــر حــول الموضــوع علــى "الفيســبوك: "الحقيقــة مثيــرة للغايــة لمعرفــة الأفلام التــي ســتُصنع، وإذا اكتشــفنا مخرجًــا موهوبًــا، فنحــن ســعداء."

وأقــرت المجالــس المحليــة للمســتوطنات شــرطاً فــي المناقصــات لإنتــاج الأفلام فــي المســتوطنات وهــو أن يكــون المنتجــون للأفلام الســينمائية مــن اليهــود فقــط وهــي تمثــل إشــارة عنصريــة داخــل فكــر المســتوطنين ورؤسائهم. وفي السادس من نوفمبر 2020 أعلنت ريغف أن الحكومة ستقدم منحا للمستوطنين الذيــن يعملــون أفلامــاً عــن المســتوطنات.

وعــام 2019، قامــت وزارة الثقافــة الإسرائيلية بتغيــر سياســتها بحيــث بــات مفروضــاً علــى لجنــة اختيــار الأفلام فــي الصناديــق التقريــر بشــأن التمويــل بالنظــر للنــص وقصــة الفيلــم دون معرفــة اســم المخــرج أو مقــدم الطلــب، حتــى لا يتــم الحكــم علــى الطلــب، بنــاءً علــى مــكان ســكن مقدمــه، بمعنــى عــدم إعطــاء أعضــاء لجــان التقييــم الفرصــة لحرمــان المســتوطنين مــن الفــوز بالمنــح.

وفيمــا يلــي عــرض لبعــض الأفلام التــي تــم إنتاجهــا داخــل المستوطنات:

فيلــم "المســتوطنين" 2016، للمخــرج شــمعون دوتــان. الفيلــم يوثــق لخمســين عامًــا مــن الوجــود الإســتيطاني داخــل الضفــة الغربيــة منــذ بدايتــه عــام 1967 وحتــى يومنــا هــذا. مــن منطلــق التعــارف الشــخصي والشــامل، يستكشــف المخــرج العالــم الــذي خلقــه المســتوطنون لأنفســهم فــي قلــب صــراع قائــم منــذ أكثــر مــن قــرن. يفحــص التيــارات المختلفــة للمســتوطنات ومــا الــذي يحفــز كلا منهــا. مــن الدافــع الدينــي، ومــن خــلال الدعايــة الإيديولوجيــة السياســية بعــد حــرب يــوم الغفــران، إلــى الدوافــع الإجتماعيــة والإقتصاديــة التــي تســببت فــي انتقــال عــدد كبيــر مــن الســكان إلــى المســتوطنات فــي العقديــن الماضييــن، بحثًــا عــن مســتوى معيشــي أعلــى.

يبــدأ الفيلــم في أواخــر الســتينيات ويتتبــع مســتوطني "كريــات أربــع"، ويدور حول الاســتيطان الصهيوني فــي الخليــل وبدايــة الهجمــة الاســتيطانية، معتمــدا علــى التــوراة والنبــوة وغيرهــا مــن الأدلــة التوراتيــة، كمــا أنــه يحــاول أن يقنــع المســتوطنين بأنهــم جــزء مــن الخــط الأخضــر وغيــر منفصليــن عــنه مــن خــلال الطــرق والشــوارع الالتفافيــة والجســور. وكالعــادة فــإن الفيلــم يصــور حيــاة المســتوطنين اليهــود متجاهــلا مــا يعانيــه الفلســطينيون وكمــا يقــول أوري كليــن فــي هآرتــس فــإن: الفيلــم يغمــض عينيــه عــن حقيقــة الحيــاة فــي الضفــة الغربيــة وفظائعهــا.

يركــز الفيلــم حــول أحــداث تكوينيــة للإســتيطان بــدأت قبــل حــرب الأيام الســتة. مــن منظــور كرونولوجــي، يتــم تقديــم المســتوطنين كمجموعــة مــن الأفــراد، يتبلــورون فــي عشــرات وآلاف، وأخيــراً الجماهيــر القادمــة مــن جميــع أنحــاء البــلاد والعالــم، المســيحيون والمتدينــون الذيــن يســعون للخــلاص. حركــة هــؤلاء الأشــخاص، المتنوعــة للغايــة، تعيــد تشــكيل مســاحة الضفــة الغربيــة. أولا بطريقــة متقطعــة ثــم بوســائل الدولــة ودعمهــا.

يُظهر الفيلــم تبلــور المحليــات والبــؤر الاســتيطانية أيضا مــن خــلال خرائــط خياليــة لدولــة الاحتلال تمتــد مــن الفــرات إلــى النيــل. لكــن هــذه الخرائــط، التــي توضــح حجــم المشــروع الاســتيطاني، تجعــل المشــاهد يشــعر بــأن النضــال قــد انتصــر، وأن المســتوطنين قــد نجحــوا فــي دفــع أجندتهــم الخاصــة بــأرض إســرائيل الكبــرى وغرســها، والفيلــم يوضــح أن المســتوطنين أقــوى مــن الدولــة.

ثانيا: فيلــم "البقــرة الحمــراء"2019، مــن إخــراج: تســيفيا بــاركاي يعقــوب، "يتحــدث الفيلــم عــن فتــاة وحيــدة (بينــي) التــي تعيــش مــع والدهــا فــي مســتوطنة فــي ســلوان بالقــدس الشــرقية. تولــد فــي مزرعــة العائلــة بقــرة حمــراء يعتقــد والــد بينــي أنهــا علامــة مــن علامــات ودلالات إعــادة بنــاء الهيــكل الثالــث. تقــوم (بينــي) علــى رعايــة وتربيــة البقــرة الحمــراء حتــى تكبــر ويقــوم اليهــود ببنــاء الهيــكل فــي القــدس.

ثمــة إحــالات فجــة للمرجعيــات الدينيــة والنصــوص والخرافــات التــي تنفــي الفلســطيني مــن المــكان. تقع بينــي في حب ياعيــل الــذي يعمــل فــي الجيــش ومــع اشــتداد التوتــر بيــن الفلســطينيين وســكان المســتوطنة وإحســاس بينــي بالخطــر تقــرر أن تبحــث لهــا عــن مســتقبل مشــترك مــع ياعيــل.

الفيلــم يركــز علــى علاقــة المســتوطنين بــأرض التــوراة ويــرّوج لــكل أكاذيبهــم عنهــا، كمــا يلفــق الكثيــر مــن الأكاذيــب عــن مــا يســميه "الإرهــاب الفلســطيني" بحــق اليهــود ويصــور كيــف لا يســتطيع اليهــودي أن يخــرج مــن بيتــه بســبب العنــف الفلســطيني فــي تصــور عكســي لطبيعــة الحيــاة فــي الضفــة الغربيــة.

وتــم عــرض الفيلــم لأول مــرة فــي مهرجــان برليــن ومــن ثــم مهرجــان طوكيــو ومهرجــان الهنــد للأفلام ومهرجــان القــدس حيــث حصــل علــى عــدة جوائــز منهــا جائــزة أفضــل فيلــم إســرائيلي فــي مهرجــان القــدس. مــدة الفيلــم 88 دقيقــة.

أمــا فيلــم "الأخــوات الخمــس"، فيتحــدث عــن خمــس نســاء تبنيــن نفــس الأيديولوجيــة الدينيــة وعشــن معــا تحــت الانتمــاء لأرض الميعــاد والأرض الموعــودة إســرائيل وفــي (يهــودا والســامرة)، وأسســن معــا مســتوطنة.

أحــداث الفيلــم تــدور فــي مســتوطنة "ألــون موريــه" شرق نابلس، ظلــت العلاقــة قويــة بيــن النســاء الخمســة حتــى جــاء إرهابــي فلســطيني وقتــل إحداهــن فــي المســتوطنة وتفككــت بعدهــا علاقــة الصداقــة بينهــن، وكل فتــاة أصبــح لديهــا حياتهــا الخاصــة، وأخــدت كل واحــدة تتحــدث عــن تجاربهــا فــي بنــاء المســتوطنة ودور الارهابــي الفلســطيني فــي قتــل الحيــاة المشــتركة بينهــن فــي المســتوطنة.

الفيلم تــم إنتاجــه مــن قبــل طالبــة يهوديــة تــدرس فــي جامعــة "رويــال بلنــدن"، وقامــت بالعيــش فــي مســتوطنة "تكــوع" قرب بيــت لحــم وأنتجــت فيلمــا وثائقيــا داخــل المســتوطنة، يقــوم علــى العنصريــة والتمييــز العنصــري، حيــث أن الطالــب اليهــودي لا يســتطيع زيــارة جاره الفلســطيني فــي القريــة المجــاورة خوفــا مــن القتــل اعتمــادا علــى التجــارب الســابقة أن الفلســطيني يقتــل اليهــودي.

فيلــم "بطــل فــي الســحاب" تــم تصويــره عــام 2017 فــي مســتوطنة "نوفيــم" المقامــة علــى أراضــي المواطنيــن فــي ديــر اســتيا قــرب ســلفيت. وهــو فيلــم موجــه للأطفــال يصــور الضفــة الغربيــة بأنهــا مــكان ســاحر للحيــاة لا مشــاكل فيــه، وأن الحيــاة هنــاك هــي إســرائيل فــي أبهــى حللهــا. ففــي قريــة متخيلــة يتعــرض الأبطــال للتهديــد ويبحثــون عــن منقــذ يقودهــم نحــو النجــاة.

وكمــا يمكــن الملاحظــة، فــإن غايــة إنتــاج تلــك الأفلام بعيــدة كل البعــد عــن القيــم الجماليــة والفنيــة والإنسانية، بــل تكمــن فــي التحريــض والبروبغنــدا، فالســينما التــي يتم إنتاجها في المســتوطنات هي ســينما موجهــة لتعزيــز روايــة ســرقة الأرض مــن خــلال بــث الخرافــات والأكاذيــب وتصويــر "الفلســطيني القاتــل" الــذي يحــرم المســتوطن مــن حيــاة هادئــة. وهي موجهة للمحتل في "اسرائيل" وللمواطن الأجنبي.

وبشــكل عــام، فــإن إنتــاج هــذه الأفلام "جريمــة"، كونه يســوّق لفكــرة ســرقة أرض الغيــر، كما أن عرضهــا فــي المهرجانــات الدوليــة تعتبر "جريمــة"، لأن العــرض يعنــي الترويــج للفكــرة التــي تحملهــا، وتجريــم زيــارة أي فنــان ومشــاركة أي فرقــة مســرحية أو موســيقية أو اســتعراضية فــي أي حفــل يقــام فــي المســتوطنات.

لا تتوفر نتائج حالياً