في 'ماعون' و'التواني' تختصر الحكاية الفلسطينية

السبت 03 ديسمبر 2011 07:34 م بتوقيت القدس المحتلة

في 'ماعون' و'التواني' تختصر الحكاية الفلسطينية

 

في 'ماعون' و'التواني' تختصر الحكاية الفلسطينية

الخليل - نقرير إخباري .. إعداد: بلال غيث

في أقصى جنوب الضفة الغربية، وتحديدا في خربة التواني التي تعتبر من أكبر خرب بلدة يطا المئة بمحافظة الخليل، تختصر الحكاية الفلسطينية، لرعاة ومزارعين يناضلون يوميا من أجل الصمود على أرضهم في وجه مستوطني 'ماعون' و'حفات ماعون'، المقامتين على الأرضي الزراعية.

ليس سهل الوصول إلى هناك فعلى من يرغب بزيارة خربة التواني السير على الأقدام لمسافة تقرب من كيلو متر واحد، بعد أن يجتاز بسيارته طريقا وعرة لا تصلح إلا لسير المركبات الكبيرة وهي غير معبدة، ليصل إلى قرية جل بيوتها من الطين والكهوف.

هناك يعيش قرابة 280 مواطنا فلسطينيا، وإلى جانبهم يقطن بعض مئات من غلاة المستوطنين الحاقدين الذين عادة ما يصبون حقدهم على طلبة المدارس أثناء تنقلهم من منازلهم إلى مدرستهم التي نجح الأهالي بالتعاون مع مؤسسات دولية في بناء عددٍ من الغرف الصفية الصغيرة أملا في مستقبل أفضل لأبنائهم.

فضل الربيعي (60 عاما) يقول إنه في السنوات العشرة الماضية تغيرت حياته وعائلته وأبناء خربته كليا مع إقامة مستوطنتي 'ماعون' و'حافات ماعون' على أرضيهم الزراعية عنوة، إذ لم يعد يسمح لهم برعي أغنامهم في تلك المنطقة، كما أنه لم يعد باستطاعة الأطفال الوصول إلى مدارسهم إلا بمساعدة عدد من المتضامنين الدوليين الذين يتواجدون بشكل دائم في التواني.

يضيف الربيعي: إنه كما كل الفلسطينيين في الضفة الغربية يصارع الاحتلال بشكل يومي، ويدفع ثمن ذلك حريته وحرية أبنائه وأبناء عشيرته التي باتت مقيدة مقابل حرية بعض مئات من المستوطنين المتظرفين الذين يصلون ويجولون في المكان وصولا إلى منازل القرية التي تتلقى بين الحين والآخر سيلا من الحجارة يلقيها المستوطنون تعبيرا عن حقدهم على العرب دون أن يحرك جيش الاحتلال ساكنا.

إلى جانب فضل يقف الشاب جمعة موسى ويتحدث عن محاولة صد المستوطنين الذين اعتدوا على منزله لكنه فوجئ بجنود جيش الاحتلال يحاولون دون ذلك، ويقومون باعتقاله واقتياده إلى معسكر 'عوفر' الإسرائيلي قرب رام الله لمدة أسبوع للتحقيق قبل أن يطلق سراحه.

وفي خربة المفقرة القريبة من التواني تجد المسنة حليمة حمادنة فرصة للحديث عما تعرضت له من قبل جيش الاحتلال يوم الخميس الماضي لدى محاولتها منع الجنود القادمين إلى خربتها من اعتقال ابنتها وشابة أخرى حاولن منع جنود الاحتلال من هدم غرفة صغيرة كانت تستخدم مسجدا في القرية، وتقول: 'لدى محاولتي منع جندي من اعتقال ابنتي اعتدى علي عدة جنود بالضرب المبرح وتسبب في كسر قدمي ولم أعد أستطيع السير بعد اليوم فيما اعتقل الجنود ابنتي وابنة خالتها'.

وأقدم جيش الاحتلال في ذات اليوم على هدم مسجد الخربة الذي كان مشيدا من الطوب، بحجة أنه بني دون الحصول على ترخيص من قبل جيش الاحتلال في المناطق المصنفة 'C'، وقام بتدمير مولد صغير ووحيد يزود سكان الخربة البالغ عددهم 80 شخصا بالكهرباء.

ويستخدم مواطنو هذه الخربة الخيام والكهوف للبقاء في خربتهم والمحافظة عليها في وجه الاستيطان الذي يداهمها من كل جانب، فيما يعانون كما يؤكدون بشكل كبير في فصل الشتاء من البرد القارص خصوصا أن هذه الخرب تشكل جزءا من صحراء النقب.

ولدى الدخول إلى واحد من الكهوف التي يعيش فيها مواطنون خربة المفقرة، نجد أنه كهف صغير بني أسفل المسجد الذي هدم، وتعيش فيه عائلة مكونة من عشرة أفراد فيما لا يتجاوز حجم ذلك الكهف 30 مترا مربعا، وعند مدخله توجد حظيرة للأغنام، فيما تفتقر هذه الخربة إلى المواصلات والاتصالات والكهرباء والطرق والمدارس ولا يوجد فيها أي من شروط الحياة الإنسانية الأساسية.

ويحضر إلى حيث يتواجد وفد صحفي حضر للإطلاع على معاناة أهالي تلك الخرب، الشيخ أبو حسين، يقول: إنه فوجئ ذات ليلة بقدوم جرافة تابعة لجيش الاحتلال مع عشرات الجنود يبحثون عن المولد الصغير المستخدم لتزويد البيوت السبعة المتواجدة في الخربة بالكهرباء ودمروه بواسطة الجرافة الصغيرة.

وفي خربة طوبا التي تبعدها مسافة سير على الأقدام لمدة نصف ساعة عن خربة التواني، وتقع بينهما مستوطنة 'ماعون'، تحدث أطفال عن معاناتهم والرعب الذي يسببه لهم المستوطنون وجنود الاحتلال يوميا.

وهنا تقول الطفلة منى حمد، وهي في الصف السابع الأساسي، 'كثير ما كان جنود الاحتلال يحضرون إلى الطريق التي توصلنا إلى مدرستنا في التواني ويطلبون منا العودة إلى المنزل أو يحرموننا التوجه إلى مدارستنا، فيما يقوم المستوطنون إن وجدوا في المكان برشقنا بالحجرة والاعتداء علينا'.

ولا تنسى زميلتها حليمة ماهر، في الصف الثالث الأساسي، 'مشهد وصول زميل لها إلى المدرسة وهو مدرج بدمائه بعد اعتداء المستوطنين عليه، ولم يجد مكانا يتوجه إليه بحثا عن العلاج لدمائه التي كانت تسيل من رأسه سوى المدرسة، بعد اعتداء المستوطنين عليه'.

وتبعد خرب التواني وطوبا والمفقرة عن مدينة الخليل قرابة 40 كيلو مترا ولا توجد مواصلات في تلك المنطقة سوى الذهاب سيرا على الأقدام لمسافة قد تصل إلى 10 كيلو مترات وصولا إلى البلدة الأقرب يطا للانطلاق منها إلى مدينة الخليل.

وفي خربة طوبا يتواجد ستة متضامنين دوليين حضروا إلى المنطقة من أجل التخفيف من معاناة  30 طالبا يتوجهون يوميا إلى مدرستهم في خربة التواني عبر مرافقتهم في الطرق الجبلية الوعرة لمحاميتهم في المستوطنين.

وتقول الناشطة الدولية الإيطالية التي تسمي نفسها 'ساندرا' فقط خشية من قيام جيش الاحتلال بمنعها من العودة إلى الضفة الغربية، 'إنها وزملاؤها يقومون يوميا بمرافقة الطلبة ذهابا وإيابا إلى منازلهم لحمايتهم من اعتداءات المستوطنين'.

وتضيف ساندرا في حديثها، 'يصعب تخليل الحياة البشرية في تلك المناطق القاحلة والتي تزداد قسوتها يوميا بعد يوم بسبب الهجمة التي ينفذها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في تلك المنطقة، مستهدفا بيوتهم وأطفالهم وحتى الموالدات التي تزودهم بالكهرباء، ونحن نحاول فعل كل ما نستطيع من أجل التخفيف عنهم، وقد نجحنا إلى حد ما بإجبار جيش الاحتلال على الحضور يوميا لحماية الأطفال من اعتداءات غلاة المستوطنين هنا'.

نغادر خربة طوبا متجهين إلى خربة منيزل التي تفصل الضفة الغربية عن مدينة عراد الواقعة بالقرب من مفاعل 'ديمونا' الإسرائيلي، وهناك قام الأهالي وبمساعدة دولية ببناء مزارع شمسية لتزويد المواطنين بالكهرباء في منازلهم لكن فرحتهم لم تكتمل إذ أخطرتهم سلطات الاحتلال بتدمير أكبر مزرعة شمسية في الضفة الغربية بحجة أنها بنيت دون الحصول على تراخيص من الجهات المختصة لديها، كما تزعم.

وفي ذات الخربة المحاطة بجدار الضم والتوسع العنصري، تتعرض المدرسة هناك لاقتحامات متكررة من قبل جيش الاحتلال الذي يراقب كل ما يحدث بكاميرات المراقبة التي وضعها في القرية، تحت حجج وذرائع واهية بينها قيام الطلبة بالاقتراب من الجدار العنصري المقام داخل مدرستهم.

وحرب البقاء بين مستوطني ريف الخليل وسكانه الأصليين تتواصل لكنها تأخذ أشكالا أخرى في المناطق الغربية من بلدة دورا التي يقطنها عشرات آلاف المواطنين، إذ يمنع الاحتلال المواطنين القاطنين في خربة الرماضين من التزود بمياه الشرب، إلا عبر صهاريج يصل فيها سعر الكوب الواحد من الماء قرابة 10 دولارات، فيما يستمتع المستوطنون هناك بالمياه العذبة المستخرجة من الحوض الجوفي الجانبي الواقع في الضفة الغربية والذي يعتبر من أكبر مناطق تخزين المياه في فلسطين، ويحظر بشكل نهائي على أبناء تلك القرى حفر آبار ارتوازية لري مزروعاتهم العطشى أو سقي مواشيهم الهزيلة جراء الجفاف.

ولعل حلم مواطني تلك المناطق في الوقت الراهن هو رؤية المياه تتدفق في الشبكة التي قامت السلطة الوطنية بالتعاون مع المانحين الدوليين بإنشائها في تلك المنطقة، فيما يرفض الاحتلال تشغيل تلك الشبكة لأنها بحاجة إلى أن تقطع شارعا استيطانيا لتمرير خط المياه منه إلى تلك التجمعات، وهو ما يمنع بأمر عسكري إحتلالي.

وفي تعليقه على ما يحدث، في أقصى الجنوب، قال محافظ الخليل كامل حميد ، إن 'الاحتلال الإسرائيلي صعد بشكل لافت من اعتداءاته بحق المواطنين القاطنين جنوب الضفة الغربية، ولعل أبرزها وأخطرها القيام بهدم المسجد في خربة المفقرة، والذي يعد الأول من نوعه الذي تقوم به المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بحق المقدسات الدينية في الضفة الغربية'.

لا تتوفر نتائج حالياً