'مقابر الأرقام'.. جرح لا يلتئم

السبت 26 مايو 2012 11:12 ص بتوقيت القدس المحتلة

'مقابر الأرقام'.. جرح لا يلتئم

                                    

                                     'مقابر الأرقام'.. جرح لا يلتئم

تقرير إخباري - فتح الحديث عن احتمال تسليم سلطات الاحتلال الإسرائيلي جثامين شهداء فلسطينيين من مقابر الأرقام، جرح ذوي هؤلاء الشهداء الذين بقي جرحهم ينزف لعقود من الزمن.

وتتضارب الأنباء عن ذلك وعن قائمة الشهداء المنوي الإفراج عن جثامينهم، إذ نفت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين، وجود قائمة رسمية لأسمائهم حتى الآن، مشيرة إلى أن كل ما يجري تداوله من قوائم غير دقيق، وأنه لم يتم الإعلان رسمياً عن أي معلومات حول حيثيات التسليم.

ووفق مراكز حقوقية وأخرى تنشط في المجال، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل احتجاز جثامين عدد كبير من الفلسطينيين والعرب الذين استشهدوا أثناء أعمال تتعلق بالنزاع مع إسرائيل في مقابر سرية تعرف بمقابر الأرقام، في مخالفة واضحة للقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان التي تلزم دولة الاحتلال بتسليم الجثامين إلى ذويها، واحترام كرامة المتوفين ومراعاة طقوسهم الدينية خلال عمليات الدفن.

وسميت مقابر الأرقام بهذا الاسم؛ لأن كل قبر منها يحوي على رقم خاص به لا يتكرر مع آخر، وكل رقم من هذه الأرقام دال على ضحية معينة، ويرتبط رقم قبره بملف عن المدفون وحياته مع السلطات الإسرائيلية.

وكانت الحملة الوطنية لاستعادة جثامين الشهداء، ومركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان حذرت من مماطلة الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ ما أعلنت عنه من نيتها تسليم عدد لم تحدده من جثامين الشهداء المحتجزة في مقابر الأرقام، والتي مضى على احتجاز بعضها عدة عقود.

وأعادت الحملة إلى الأذهان تراجع الحكومة الاسرائيلية عن تنفيذ اتفاق مماثل وقع في شهر تموز من عام ٢٠١١، وتم تجميده قبل أن يجف حبره.

وفي هذا الإطار، طالب أهالي الشهداء في مقابر الأرقام والمحتجزة جثامينهم لدى قوات الاحتلال، مراراً وتكراراً بضرورة العمل على عدم المماطلة في استعادة جثامين أبنائهم، وإجراء فحص الهوية الوراثية فوراً لجميع الجثامين، وحثوا المؤسسات والمنظمات الحقوقية والقانونية الدولية على الضغط على إسرائيل من أجل تسليم كافة الجثامين.

وقال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان عصام العاروري، إن سلطات الاحتلال لم تعط حتى الآن تفاصيل واضحة حول عدد الشهداء الذين سيتم الإفراج عن جثامينهم، ولا حتى أسمائهم، في حين ليس هناك اعتراف رسمي إسرائيلي بعدد الشهداء الذين تحتجزهم.

وأكد أن إسرائيل تحاول أن تجعل من جثامين هؤلاء الشهداء ورقة لتساوم بها واستخدامها في حالات التبادل، ولمنع الشعب الفلسطيني من أن يكرم شهداءه ويدفنهم في تراب الوطن، بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تتذرع بأن عملية تحرير جثامين الشهداء ستؤدي إلى إشاعة نوع من الفوضى داخل المجتمع الفلسطيني.

وأوضح أن هناك مخاوف من أن تعدل إسرائيل عن قرارها بالإفراج عن جثامين الشهداء، كما فعلت في السابق حينما تراجعت عام 2011 عن تحرير ٨٤ جثمانا، كما طالب بضرورة عمل فحص الصفة الوراثية لهؤلاء الشهداء خوفا من أن يتم الخلط بينهم.

وبدوره، قال منسق الحملة الوطنية لاستعادة جثامين الشهداء سالم خله، إنه تم توثيق 351 جثمانا لشهداء، بينهم اثنان تم تحريرهما، من ضمنها 48 جثمان مفقود، فيما لا تزال إسرائيل تحتجز 299 جثمانا من الموثقة حالاتهم من خلال عائلاتهم، مؤكدا أن الملف لن يغلق إلا باستعادة كافة جثامين الشهداء حتى يدفنوا في أرضهم وبين ذويهم.

وقال إن إسرائيل أعلنت في وقت سابق وبعد توقيع اتفاق مع الأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال، أنها تنوي الإفراج عن 100 جثمان، في حين نرى أنها تراجعت قبل أيام لتعلن أن عدد الشهداء الذين تنوي تسليمهم للسلطة الوطنية 65، وهذا يجعلنا على حذر من أن تقوم بإلغاء هذه الصفقة والإخلال بتعهداتها.

وتوضيحا لذلك، بين موقع 'مقابر الأرقام'، أن إسرائيل ربما تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض عقوبات على الجثث، حيث أنها تحتجز أعداداً غير معروفة من جثث الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين استشهدوا في مراحل مختلفة من الكفاح الوطني.

وقال: أقامت اسرائيل لهذه الغاية مقابر سرية عرفت باسم مقابر الأرقام، حيث كشف النقاب عن أربع مقابر كهذه، فضلاً عن احتجاز جثث أخرى في ثلاجات. والمقابر السرية عبارة عن مدافن بسيطة، محاطة بالحجارة دون شواهد، ومثبت فوق القبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً، ولهذا سميت بمقابر الأرقام لأنها تتخذ الأرقام بديلاً لأسماء الشهداء. ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولة، ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد.

وبين الموقع أن مقابر الأرقام هي إهانة لإنسانية الإنسان، في حياته وبعد موته، تستصرخ الموقف الوطني للمطالبة باستعادة جثامين هؤلاء الشهداء ولتمكين ذويهم من إعادة دفنهم بما يليق بكرامة الإنسان، ونستصرخ كل المدافعين عن حقوق الإنسان للضغط على حكومة إسرائيل بالإفراج عن جثامين الشهداء الفلسطينيين فمن العار أن يصمت العالم على عقاب الإنسان حتى بعد موته.

ووفق بيانات موقع 'لجنة المتابعة للحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة والكشف عن مصير المفقودين'، فإن سلوك حكومة إسرائيل تجاه الشهداء الفلسطينيين والعرب، ليس غريبا عن مجمل ما سلكته منذ إقامتها في العام 1948، فلم يصدر عن مؤسساتها ما ينظم تعاطيها مع جثامين الشهداء وضحايا حروبها على الدول العربية والفلسطينيين حتى العام 1976، سوى الأمر العسكري الذي أصدرته قيادة الأركان العامة في 1/9/1976، والذي حمل الرقم 380109 وتعلّق بتعريف الجثث، نزع الوثائق والأغراض من على الجثث، وترقيم الجثث والقبور.

وتفيد اللجنة أن السلوك العملي لحكومات إسرائيل وسلطاتها الاحتلالية، لم يلتزم بهذا الأمر الذي حاول واضعوه ملامسة ما نصت عليه اتفاقيات جنيف لعام 1949، فطالما تذرعت السلطات الإسرائيلية برفضها تسليم جثث الضحايا لذويهم، باعتبارات ردع الآخرين عن مقاومة احتلالها، كما وللحيلولة دون أن يتحول تشييع جنازاتهم إلى مهرجانات سياسية للقوى والحركات المناهضة للاحتلال.

وأضافت اللجنة: أن السلطات الإسرائيلية، لا تكتفي بالتنكر للقانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف للعام 1949، باحتجازها لجثامين شهداء فلسطينيين وعرب، وإصدار أحكام بالسجن على بعضها، بل أنها تمعن في مخالفتها من خلال دفن الجثث في مقابر تعرف بمقابر الأرقام ولا يزيد عمق الواحدة منها عن 50 سنتمترا، ما عرضها للانكشاف بفعل العوامل الطبيعية، فتصبح عرضه لنهش الوحوش والكلاب الضالة، فيما تتعرض الجثث المحتجزة في الثلاجات للتلف وانبعاث الروائح، بسبب عدم تطبيق المعايير الصحية على هذه الثلاجات.

وأكدت اللجنة أن سلوك وممارسات حكومة إسرائيل، وسلطاتها بحق جثامين ضحايا حروبها، هو عمل غير مسبوق، فليس في عالمنا من لا يزال يعاقب الإنسان وينتقم منه، حتى بعد موته، ومن يتعمد مضاعفة معاناة ذوي الضحايا بحرمانهم من حقهم في تشييع أحبائهم، ودفنهم، وفقا لتقاليدهم الدينية، وبما يليق بالكرامة الوطنية والإنسانية، سوى حكومة إسرائيل، وسلطاتها الاحتلالية.

وفي ذات السياق، بين مركز الميزان لحقوق الإنسان في بيان سابق له بالخصوص، أن مصادر الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء تشير إلى أن سلطات الاحتلال تحتجز مئات من جثامين الفلسطينيين موزعة على أربع مقابر، تقع جميعها في مناطق تصنف على أنها عسكرية، وهي: مقبرة بالقرب من جسر 'بنات يعقوب' على الحدود السورية- اللبنانية، ويقدر عدد الجثامين فيها بحوالي 500، ومقبرة في منطقة غور الأردن بين مدينة أريحا وجسر دامية وتحوي حوالي 100 جثمان، ومقبرة في غور الأردن تسمى 'ريفيديم' ولا يعرف عدد الجثامين فيها، ومقبرة تسمى 'شحيطة' وتقع شمال طبريا وفيها حوالي 50 جثمانا.

وسعى مركز الميزان في مرات سابقة إلى الإفراج عن جثامين شهداء فلسطينيين من سكان قطاع غزة، مشيرا إلى وضوح القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان في إلزام دولة الاحتلال بتسليم الجثامين إلى ذويها واحترام كرامة المتوفين ومراعاة طقوسهم الدينية خلال عمليات الدفن.

وتفرض المادة (130) من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة (34) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، الذي يعتبر جزءاً من القانون الدولي العرفي الملزم لجميع الدول، بشكل صريح دفن المعتقلين المتوفين أو من يسقطون في أعمال القتال باحترام وإتباع إجراءات تتناسب وثقافتهم الدينية وبمجرد أن تسمح الظروف عليها واجب تقديم بيانات ومعلومات وافية عنهم، وحماية مدافنهم وصيانتها وتسهيل وصول أسر الموتى إلى مدافن الموتى واتخاذ الترتيبات العملية بشأن ذلك، وتسهيل عودة رفات الموتى وأمتعتهم الشخصية إلى وطنهم.

من الجدير ذكره أن الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء أصدرت كتاباً يضم أسماء وصور 302 شهيداً مدفونين في مقابر أطلقت عليها اسم 'مقابر الأرقام'، ممن تمكنت من الحصول على معلومات دقيقة حولهم.

لا تتوفر نتائج حالياً