هناء.. كبرت على زند المخيم

الخميس 20 سبتمبر 2012 05:18 م بتوقيت القدس المحتلة

هناء.. كبرت على زند المخيم

 

                                      هناء.. كبرت على زند المخيم

تقرير اخباري 20-9-2012 - رشا حرزالله

ما زالت ذاكرتها تضج بالصور، فجثث الشهداء المنتفخة والمنتشرة بين أزقة مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الذين استسلموا لنومة أبدية، تحت رصاص جيش لا يعرف للإنسانية أي معنى ما زالت تهز وجدانها بعمق.

هناء صالح 52 عاما، من بلدة عرابة جنوب غرب مدينة جنين التي عملت ممرضة متطوعة في مشفى غزة في مخيم صبرا، وساعدت في لملمة ما تبقى من جثث الشهداء وتقديم الإسعاف للجرحى، حملت معها وجعا امتد من لبنان إلى فلسطين، لم تفلح السنوات الطوال في مداواته.

ثلاثة أيام بلياليها، كانت كافية للقضاء على كل شيء... كل ما في مخيمي صبرا وشاتيلا تحول إلى ركام، فتحت عجلات الآليات العسكرية الإسرائيلية رصدت أحلام الأطفال في صبرا وضحكاتهم في شاتيلا، فكان لا بد للمخيمين أن يغنيا لحن الوداع الأخير.

'عملت في مشفى غزة في صبرا كان عمري حينها 18 عاما فقط، قبل وقوع المجزرة كان المخيم هادئا نوعا ما، ليله السادس عشر من أيلول عام 1982، لم أستطع التأكد من حقيقة ما يجري، لم أجد نفسي سوى بين أكوام من الجثث في المشفى، حاولت حينها الاستفسار من الناس والجرحى عن حقيقة ما يجري، أخبروني أن هناك مسلحين يقومون بقتل الناس' تقول هناء.

'لا شيء سوى الرعب، ليس هناك شيء غير الخوف، القتل مستمر وآلاف الضحايا يصلون إلى المشفى' تتحدث هناء: 'أحاول أن أتناسى ما حدث لأن الأسى ما بنتسى، برغم صغر سني، إلا أنني كنت أدرك حجم الكارثة التي نواجهها، كان علينا أن نكون أقوياء حتى نستطيع إنقاذ الأطفال والنساء والرجال، تحدثنا حينها مع المنظمات الدولية، مع الصليب الأحمر، لكن لم يساعدنا أحد'.

تغرغر عينا هناء كلما مر ذكر اسم مجزرة صبرا وشاتيلا: 'أذكر أحد الأطفال في صبرا، أحضروا جميع أفراد عائلته بمن فيهم هو، وقاموا بإطلاق النار عليهم، الجميع قتل، إلا أنه تظاهر بأنه استشهد، وبقي يزحف ليلا حتى وصل إلى مشفى صبرا، لا أدري ربما اليوم أصبح شابا، كيف يمكن لهذا الطفل أن ينسى؟'.

حاولت هناء ومن معها من أطباء الوصول عبر سيارات الإسعاف بالرغم من شح الإمكانيات في ذلك الوقت، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجرحى، غير أن الجيش الإسرائيلي حال دون ذلك.

تستذكر هناء تفاصيل أخرى للمجزرة قائلة:' فشلنا في دخول المخيمين، لذلك حاول العديد من المواطنين الهروب منهما، ونجح العديد منهم بالهرب، توجهوا للمشفى لم يعد هناك اتساع للمزيد، رائحة الدم المتعفن كانت تملأ المكان، حاولنا تهريب مجموعة من الشباب مؤقتا على أن يعودوا بعد انتهاء المجزرة، أحد الشبان كان فرحا بعودته، كان متلهفا لرؤية عائلته، لكن كانوا جميعا قد استشهدوا!'.

من القصص المؤلمة التي عاشتها هناء، والتي تقول إنها ما زالت حاضرة في ذهنها، امرأة حامل حاولت الهرب والاختباء في أحد الأماكن، عثر عليها القتلة، قالوا لها أنت حامل بطفل 'مخرب'، لذلك يجب أن يموت، قاموا بفتح بطنها وإخراج الجنين: 'استشهدت بطريقة بشعة جدا، كم أتألم حينما أذكر هذه المرأة رحمها الله'.

كانت هناء تمكث ساعات طوال داخل غرفة العمليات، وعلى الرغم من عدم درايتها الكافية بالتمريض وعمليات الإسعاف، غير أن مساعدتها في مداواة الجرحى وانتشال الشهداء أكسبها معرفة لمواصلة هذا العمل.

'في اليوم الثالث للمجزرة وبعد خروج القوات الإسرائيلية، توجهنا للمكان، يا لهول ما رأيت، لم أكن أتصور أن من قام بهذا العمل بشر، كانت الحشرات تتراكم حيث حفر الرصاص على الجثث، الشهداء فوق بعضهم البعض، لم يكن هناك منظمات حقوقية، كان هناك شح في وسائل الإعلام، جاءت بعدها قوات حفظ السلام، كل شيء كان قد انتهى حينها' تتابع هناء.

انتقلت هناء صالح إلى بلجيكا لدراسة التمريض، غير أن توالي المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون جعلت من الصعب عليها استكمال دراستها، وما لبث أن عادت أدراجها إلى لبنان، ومن ثم إلى فلسطين، وفي اجتياح 2002م، تعرضت بلدة عرابة للقصف، حيث قامت بمساعدة الطواقم الطبية في تقديم الإسعافات للجرحى.

مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن الأولى ولا الأخيرة، ولكنها كما قال الشاعر محمود درويش: 'صبرا تقاطع شارعين على جسد صبرا نزول الروح في حجرو صبرا... لا أحد صبرا .. هوية عصرنا حتى الأبد'.

____

لا تتوفر نتائج حالياً