المحطة الثالثة: حصار بيروت ،حرب المخيمات ، صبرا وشاتيلا ، حصار طرابلس ، الانشقاق (نجاحات وانجازات وتحديات) ص

الخميس 05 يوليو 2018 11:17 م بتوقيت القدس المحتلة

المحطة الثالثة: حصار بيروت ،حرب المخيمات ، صبرا وشاتيلا ، حصار طرابلس ، الانشقاق (نجاحات وانجازات وتحديات) ص

نجاحات وانجازات

شارك عرفات بصفته رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة في مؤتمر القمة الرابع لحركة عدم الانحياز الذي عقد في الخامس من أيلول/ سبتمبر 1973 في الجزائر، حيث قرر المؤتمر الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني . ولاقت دعوة ياسرعرفات ـ خلال المؤتمرـ الدول الافريقية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل استجابة واسعة  .

وفي مؤتمر القمة العربية الخامس في الجزائر (26-28تشرين الأول /أكتوبر 1973) نجح عرفات في استصدار قرار ينص على أن منظمة التحرير هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني رغم امتناع الأردن حينها.

وبعد حرب تشرين الأول /أكتوبر 1973 وافق ياسر عرفات على عرض من الرئيس المصري أنور السادات للمشاركة  في حضورمفاوضات جنيف المقررعقدها في كانون الأول/ديسمبر من تلك السنة شريطة أن يتم فيها مناقشة الحقوق الفلسطينية ، لكن السادات لم يعده بذلك ،فتغيبت منظمة التحرير "م.ت.ف" عن مفاوضات جنيف .

وفي شباط/فبراير 1974 حظي ياسرعرفات والوفد الفلسطيني المرافق له باستقبال الأبطال في لاهور بباكستان حيث شارك في مؤتمر القمة الإسلامي،والذي أعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وفي نفس السنة أكدت القمة العربية السادسة في الرباط في 28 تشرين الأول/أكتوبر اعترافها بمنظمة التحريرممثلاوحيدا للشعب الفلسطيني . وأضافت كلمة الشرعي لتصبح الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده. و وافق الملك حسين على هذا الاعتراف. وأدخل عرفات على البيان الختامي للقمة العربية بندا يشير إلى انه: يمكن للشعب الفلسطيني أن يقيم سلطته الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية على كل جزء يتم تحريره من الأرض .

حرص عرفات في هذه المرحلة على تعزيز العلاقات الفلسطينية ايضا مع كل من يجد لديه اذنا صاغية.. وبابا مفتوحا أو شبه مفتوح.يتحرك بنفسه ويرسل مبعوثيه إلى كل بقاع الأرض.

صار يقصي وقتا طويلا في رحلاته إلى العواصم المؤثرة في العالم .. عمل على توثيق العلاقات مع الاتحاد السوفييتي والصين والهند وباكستان واندونيسا ودول افريقيا واميركا اللاتينية .وبنى تحالفات مع  كثير منها ، وربطته صداقات شخصية بكثير من قادتها ومنهم انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند وذوالفقارعلي بوتو رئيس وزراءباكستان والرئيس اليوغسلافي جوزيف تيتو .

وتوج عرفات النجاحات السياسية للثورة الفلسطينية يوم 13تشرين الثاني /نوفمبر 1974 حين ألقى خطابا تاريخيا امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال عبارته الشهيرة في ختام الخطاب"جئت حاملا غصن الزيتون في يد ، وفي الاخرى بندقية الثائر ، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي ..الحرب بدأت من فلسطين،ومن فلسطين سيولد السلام ".

وأطلق المراقبون الأميركيون على ذلك اليوم إسم "يوم عرفات" لانه نجح خلال ساعات في تركيز الاهتمام على مشكلة ظل الأميركيون يجهلونها او يتجاهلها قادتهم عقودا عديدة، كما عرف كيف يكسب تاييد جزء كبير جدا من الرأي العام الدولي ، وكان عرفات أول زعيم  لا يمثل دولة  يعطى حق إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة .                                                                    

وبعد الخطاب اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاغلبية الساحقة، بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وأعطت منظمة التحرير وضع المراقب الدائم في الأمم المتحدة ، ودعت الدول والمنظمات الدولية إلى دعم الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل استعادة حقوقه. وسجل عرفات نقطة أخرى في العام الذي تلاه  في 10تشرين الثاني / نوفمبر 1975حين تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارا ينص على أن " الصهيوينةهي شكل من أشكال العنصرية".

الحرب الأهلية اللبنانية

كان عرفات يسجل بقيادته للشعب الفلسطيني النجاحات والانجازات السياسية على المستوى الدولي وداخل الأرض المحتلة ، وكان يسعى في ذات الوقت لتأمين بيئة إيجابية داخل لبنان،حرص عرفات كثيرا على فتح قنوات اتصال وعلاقات تعاون مع الجميع في لبنان، لكن الأمور لم تكن تتطور وفقا لرغبته.
حاول عرفات ورفاقه بناء مؤسسات منظمة التحرير بما يخدم الشعب الفلسطيني  في كافة المجالات إضافة إلى  الكفاح لاسترداد حقوقه المشروعة ، لكن بعض الجهات اليمينية في لبنان لم يرق لها تعاظم دور ومكانة المنظمة، وصار البعض يحرض عليها متهما إياها بإقامة دولة داخل الدولة، ووقعت مجزرة رهيبة بسبب هذا التحريض يوم 13 أيار/ مايو 1973 حين قصفت طائرات الجيش اللبناني مخيم برج البراجنة في بيروت ما أسفر عن استشهاد نحو 100 شخص.وفي 13نيسان /أبريل 1975 تعرضت حافلة فلسطينية إلى هجوم بالأسلحة الرشاشة لدى مرورها في حي عين  الرمانة الماروني في بيروت الشرقية،وقتل المهاجمون جميع من فيها وكانواسبعة وثلاثين شخصا .

كانت هذه الحادثة بمثابة شرارة اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. وتكررت المجازربحق الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين من اليساريين والمسلمين السنة والشيعة.ولم يكن أمام عرفات والفلسطينيين أي  خيار سوى البقاء في لبنان وتوطيد التحالف مع المعسكر اللبناني المناصر للقضية الفلسطينية والدفاع عن أنفسهم .

وخلال الشهور الأولى من 1976 كانت الغلبة للتحالف الفلسطيني ـ التقدمي اللبناني،فاستنجدت القيادة المارونية بسورية واسرائيل.وتدخلت القوات السورية الموجودة في لبنان في 30أيار/مايو 1976 لفك الحصا رعن زحلة،ووجه الرئيس السوري حافظ الأسد إنذارا إلى ياسرعرفات لإلقاء السلاح ،الأمر الذي رفضه الفلسطينون ومن معهم من اللبنانيين،فاستخدم الجيش السوري كافة اسلحته الجوية والبرية ليحتل الجزء الأكبرمن لبنان دون أن يصل إلى ما عرف بـ" الاخط الاحمر" في الجنوب قرب حدود اسرائيل لئلا يصطدم بها. وفي آب/أغسطس 1976 تعرض الفلسطينيون لمجزرة جديدة  في  مخيم تل الزعتر حيث دخلت القوات الكتائبية  المخيم في اليوم التالي لتوقيع اتفاق إخلاء سكانه،ارتكبوا مجزرة فظيعة أسفرت عن استشهاد أكثر من ألفين من سكان المخيم الذي كانت تطوقه القوات السورية والتي كانت أمطرته قصفا من البروالجو . 

شعر عرفات يصدمة بالغة ازاء هذه المجزرة البشعة واعتبرأن العالم العربي"في أدنى درجات انحطاطه التاريخي".

تواصلت الهجمات الكتائبية والسورية ملحقة خسائر فادحة في صفوف المنظمة وحلفائها، فناشد ياسرعرفات ولي العهد السعودي آنذاك فهد بن عبد العزيز التدخل لإيقاف الهجمة السورية،وعقدت قمة عربية مصغرة في الرياض أسفرت عن إصدار الأسد أوامره لجيشه بإنهاء العمليات العسكرية.

كانت سنة 1976 سنة صعبة على عرفات والفلسطينيين في لبنان ، لكن عرفات كان في ذلك الوقت ينجح في تعزيز مكانة المنظمة داخل الأرض المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونجحت قوائم منظمة التحرير في اكتساح الانتخابات البلدية في الضفة، كما عززعرفات العلاقات مع فلسطينيي الداخل"عرب 48" وأعلن شهداء يوم الأرض في 30 آذار/مارس شهداء للثورة الفلسطينية ، وقرر اعتبار ذلك اليوم مناسبة وطنية يحتفى بها في كل عام.وكذلك دعم عرفات الاتصالات الفلسطينية مع الإسرائيليين التقدميين الذين يعترفون بالحقوق الفلسطينيةأو من عرفوا بأنهم من معسكر السلام الإسرائيلي الرافض لاستمراراحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي العام 1977 خسر ياسرعرفات حليفا مهما على الساحة اللبنانية هو كمال جنبلاط الذي اغتيل في كمين لجهات سورية يوم 16 آذار/مارس من تلك السنة .وفي نفس السنة أيضا حدثت مفاجأة الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي أعلن  وبحضورعرفات أمام مجلس الشعب المصري في القاهرة استعداده لزيارة القدس المحتلة ومخاطبة الكنيست الإسرائيلي ، وبعد ذلك حدثت زيارة السادات لإسرائيل يوم 19 تشرين الثاني/ نوفمبر،وعندها شعرعرفات أن "الشعب الفلسطيني تلقى طعنة في الظهر ..هاهو زعيم أكبر دولة عربية يتخلى عن قضية فلسطين ويختار معسكر العدو".

وفي هذه المرحلة تعززت علاقات عرفات و"المنظمة" مع الاتحاد السوفييتي سياسيا وعسكريا ،وتلقى الفلسطينيون منه أسلحة ومعدات متطورة بينها صواريخ مضادة للطائرات وللدبابات .

الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان

ومع تغير الصورة في العالم العربي بعد زيارة السادات للقدس المحتلةوقيام جبهة الصمود والتصدي العربية بمشاركة منظمة التحرير، ازدادت شراسة الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين في لبنان، وبعد عملية الشاطىء الفدائية" عملية الشهيد كمال عدوان" التي قادتها دلال المغربي يوم 11آذار/مارس 1978 وأسفرت عن مقتل 34 إسرائيليا واستشهاد 9 فدائيين بينهم دلال المغربي، شن الجيش الإسرائيلي في 14 آذار/مارس 1978عملية عسكرية كبيرة ضد الفلسطينيين، وبدأ اجتياحا واسعا لجنوب لبنان فاضطر ياسرعرفات إلى النزول إلى غرفة عملياته في مخيم صبرا، ولم يهدأ باله إلا عندما تأكد أن الجزء الأكبر من قواته قد نجا و تمكن من الانسحاب نحو الشمال.

ولمواجهة آثار ونتائج  توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في 17أيلول/سبتمبر 1978 ، ومعاهدة السلام بينهما يوم 26آذار/مارس1979  تحرك عرفات بنشاط وقوة على عدة جبهات: أخذ يعزز العلاقات مع الحلفاء والانصارفي الاتحاد السوفيييتي والمعسكرالشرقي ودول أميركا للاتينية والدول الإسلامية ودول عدم الانحياز، وفي نفس الوقت أخذ  يسعى لفتح نوافذ وأبواب الغرب أمام منظمة التحرير، فالتقى في تموز/يوليو 1979بالمستشار النمساوي برونو كرايسكي.

وفي نفس السنة اعترف رئيس الوزراء اليوناني أندرياس باباندريو بمنظمة التحريرالفلسطينية، واعترفت اسبانيا ـ بعد زيارة عرفات لها ـ بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني..وهكذا سجل عرفات سلسلة من النجاحات الدبلوماسية والسياسية .
وفي هذه الفترة أيضا كسب عرفات حليفا مهما :ايران..فبعد سقوط شاه ايران محمد رضا بهلوي الحليف الأكبر لإسرائيل وللولايات المتحدة في المنطقة،ونجاح الثورة الإسلامية الإيرانية في شباط/فبراير 1979 ،كان عرفات أول زعيم يزور طهران بعد سيطرة رجال الثورة عليها، وحظي فيها  باستقبال الأبطال،واحتفى الإيرانيون به رسميا وشعبيا بحفاوة بالغة،وحولوا سفارة إسرائيل في طهران إلى سفارة لمنظمة التحرير.كان عرفات يعرف الكثيرين من قادة الثورة الإيرانية وتربطه بهم صداقات ومنهم زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني ، ومنهم أيضا من تدرب في قواعد الثورة الفلسطينية في الاردن ولبنان

معركة الصمود ..حصار بيروت 1982

أدى تنامي مكانة منظمة التحرير والانجازات السياسية التي كان عرفات يحققها على مستوى العالم إلى إثارة حنق وانزعاج القيادة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء مناحيم بيغن فزادت عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين في لبنان وأخذت تخطط لضرب منظمة التحرير وقيادتها.

استشعرعرفات في وقت مبكر الخطرالكبيرالقادم، وكان منذ خريف 1980 يحذر ويعلن ضرورة الاستعداد للحرب، لأنه شعر بأن اليمين الحاكم في إسرائيل يستعد و يتحين الفرص للانقضاض على الثورة الفلسطينية .وكان عرفات يعطي أوامره للقوات الفلسطينية ـ في مرات كثيرة ـ بالامتناع عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية خشية التذرع  بالردور الفلسطينية لتبريرشن عدوان كبير .

وشعرعرفات بالقلق الكبير مع اندلاع الحرب بين حليفيه القويين : العراق وايران في العام 1980 ، وبذل جهود وساطة كبيرة في هذا المجال لكن دون جدوى. وتصاعدت مخاوفه من استغلال إسرائيل للوضع الاقليمي مع خروج مصر من دائرة المواجهة وانشغال العراق وايران بحربهما ، وتأكدت أحاسيسه حين فشل العرب في  قمة فاس بالمغرب في الاتفاق على مشروع الأمير فهد " ولي العهد السعودي" للحل والذي يشيرـ إلى جانب الإقرار بكافة الحقوق الفلسطينيةـ إلى" الاعتراف بحق كل الدول في المنطقةأن تعيش بسلام". وعلق عرفات بعد الإخفاق في فاس بقوله"سوف ندفع من دمنا ثمن هذا اللاقرار ..وسوف تكون فاس هي الفأس التي تهوي على رؤوسنا".

وحاول الاسرائيليون أغتيال عرفات في تموز/يوليو 1981 حين قصفوا البناية التي تضم مقر قيادته في الفاكهاني ببيروت ودمروها كليا ليدفنوا تحت انقاضها أكثر من مئة شهيد .

وبعد تصاعد الاشتباكات واشتداد القصف الفلسطيني لبلدات شمال إسرائيل،وافقت إسرائيل على اتفاق لوقف إطلاق النارمع منظمة التحرير تم التوصل إليه برعايةالمبعوث الاميركي فيليب حبيب .

فرض عرفات على قواته تقيدا شديدا بوقف النار،وكثف عمليات التدريب والتسليح ، وأخذ بيغن ووزير حربه ارئيل شارون يعدان للضربة" القاصمة" التي ستقضي على منظمة التحرير وعلى ياسرعرفات وفقا لما يخططان .

ولم تتأخر إسرائيل عن استغلال قيام منظمة "أبو نضال " المنشقة عن الثورة الفلسطينية بإطلاق النار على السفير الإسرائيلي في لندن "شلومو أرغوف" وإصابته في رأسه إصابة خطيرة، فبدأ القصف الإسرائيلي العنيف ظهريوم الجمعة الرابع من حزيران /يونيو 1982 ليطال مواقع عديدة منها المدينة الرياضية في بيروت والمخيمات الفلسطينية.ورد الفلسطينيون بقصف بلدات شمال إسرائيل.. لتجد الحكومة الإسرائيلية الذريعة متهمة الفلسطينيين بانتهاك اتفاق وقف النار، ولتبدأ في اليوم التالي الخامس من حزيران /يونيو حربها الواسعة على لبنان، والهدف  الحقيقي هو القضاء على الثورة الفلسطينية وقائدها ياسرعرفات الذي كان في جدة بالمملكة العربية السعودية، وتوجه فورسماع أنباء القصف الإسرائيلي يوم 4حزيران /يونيو إلى دمشق، ومنها إلى بيروت ليقود معركة التصدي للعدوان الجديد. وأذهله حجم الاضرار والدمارالذي خلفه القصف ، وأدرك أنه أمام حرب واسعة فدعا المقاتلين إلى القتال بكل قوة .. ازدادت وحشية القصف الجوي والبري والبحري  الإسرائيلي لكافة المناطق التي يتواجد فيها الفلسطينيون،ودفعت اسرائيل بقوات برية ودبابات ومصفحات بأعداد كبيرة من جنوب لبنان نحو صوروصيدا ومخيمات عين الحلوة والرشيدية .. تواصل العدوان الواسع ليصل يوم 13حزيران /يونيو إلى حدود بيروت الغربية ، وأصبح ياسرعرفات محاصرا مع قواته في جيب لا تتعدى مساحته 25كيلومترا مربعا. صمد عرفات ومعه المقاومون الفلسطينيون 88 يوما تحت الحصار والقصف الوحشي العنيف، وطوال هذاالوقت كانت إسرائيل تلاحق ياسرعرفات لاغتياله ،ولكن رغم وجوده في منطقة محاصرة واضطراره لعقد اجتماعات عديدة وظهوره مرات كثيرة بين المقاتلين أو في زيارة الجرحى..رغم كل ذلك نجا عرفات من عدة ضربات مباشرة طالت أماكن كان فيها قبل لحظات أوكان يفترض أن يصل اليها خلال لحظات.كان يتنقل كثيرا،ويبدل أماكن نومه وإقامته ، ولا يقضي في مكان واحد سوى ساعات محدودة.كان عرفات مصمما على مواصلة الصمود والقتال.رفض عروضا عديدة للنجاة بنفسه عن طريق اللجوء للسفارات في بيروت،ورفض دعوات الجنرال ارئيل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي للاستسلام ، وكان يردد بين رفاقه: هبت رياح الجنة، لقد دعوت الله ان يستجيب لطلبي  أن أموت شهيدا .

قتلت إسرائيل آلاف المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين ، وأصيب عشرات الآلاف منهم .دمرت الأحياء السكنية والمخيمات الفلسطينية ..زاد الوضع بؤسا واستمر الصمود، ولكن عرفات كان غاضبا جدا ازاء ضعف ردور الفعل العربية والدولية على العدوان والجرائم التي ترتكبها اسرائيل .كان خروج الفدائيين من بيروت ولبنان وتوزيعهم على تسع  دول هو الشرط الذي وضعته إسرائيل عبر الوسيط الأميركي فيليب حبيب لوقف المجزرة في بيروت،رفض عرفات الشرط ،لكن الحكومة اللبنانية وافقت  يوم 18 آب /أغسطس على خطة حبيب .

وجرى حوار بين القوى الوطنية اللبنانية والقيادة الفلسطينية حول كيفية التصرف ،وتم الاتفاق على القبول بخروج الفدائيين من بيروت . أبلغ ياسرعرفات الرئيس اللبناني الياس سركيس ورئيس الوزراء شفيق الوزان موافقته على خطة حبيب، وقبل ان يخرج عرفات من بيروت بايام ساله الصحافي الإسرائيلي "أوري افنيري" :إلى أين أنت ذاهب؟ أجاب عرفات فورا وبقوة :"أنا ذاهب إلى فلسطين".

وبدأالفدائيون مغادرة لبنان يوم 21آب/ أغسطس ببزاتهم العسكرية وبأسلحتهم الشخصية.وقبل أن يصعد ياسرعرفات إلى السفينة اليونانية "أتلانتيد" في ميناء بيروت يوم 30آب/أغسطس ليغادرها، توقف للحظات وقال بصوت عال"أيها المجد لتركع أمام بيروت".

وقال فيما بعد عن تلك اللحظات:"حين ألقيت النظرة الأخيرة على المدينة قبل أن أغادرها ،بكيت ..كانت تلك من اللحظات النادرة في حياتي التي جرت فيها دموعي بهذه الغزارة ..إن حصار بيروت ومغادرتي لها قد فتحا جرحا عميقا في قلبي .. نظرت إلى المدينة وأنا على ظهر السفينة ، وشعرت كأنني طائر مذبوح يتخبط في دمه".

وقد ودعه الشعبان الفلسطيني واللبناني بكل الحب والإجلال كما يليق به كقائد شجاع صمد وقاتل بشرف ورفض الاستسلام. وفي اليونان استقبله الشعب اليوناني وقادته يتقدمهم رئيس الوزراء أندرياس باباندريو كبطل محارب شجاع.ومكث عرفات يوما واحدا في اليونان ليغادرها في اليوم التالي إلى تونس التي وقع الاختيار عليها لتكون المقر الجديد في المنفى لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية .

 

سنوات صعبة :تونس ..صبرا وشاتيلا ..الانشقاق

دأ عرفات يتحرك وينشط سياسيا في مقره الجديد في تونس، و التي كانت أيضا  المقر المؤقت لجامعة الدول العربيةبعد نقله من القاهرة إثر توقيع مصر اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل. ومن تونس أخذ ياسرعرفات يعيد تنظيم جميع عناصر الثورة الفلسطينية وأجهزتها: القوات العسكرية والمؤسسات والافراد والموارد البشرية والمالية، ومنها أخذ ينطلق في جولاته الخارجية.

وتوجه يوم السادس من ايلول/سبتمبر إلى المغرب للمشاركة في مؤتمر القمة  العربية" قمة فاس الثانية".. كان الغرض من هذه القمة إظهار وحدة الصف العربي وإعداد استقبال حماسي لياسر عرفات "رمز المقاومة والصمود " كما سماه يومها العاهل المغربي الملك الحسن الثاني .وتبنت القمةمشروع الملك فهد للتسوية السلمية للنزاع العربي الإسرائيلي .

وفي يومي  السادس والسابع عشر من أيلول /سبتمبر1982  ارتكبت  مجزرة صبرا وشاتيلا على يد  القوات اللبنانية الكتائبية التي قتلت نحو الف فلسطيني ـ تتحدث بعض التقديرات عن مقتل ثلاثة الاف فلسطيني في المجزرةـ ومعظمهم من الأطفال والنساء وكبارالسن بعلم وحماية القوات الاسرائيلية التي احتلت بيروت في ذلك الوقت.ويومها كان عرفات يزور روما فأبلغ وزير الخارجية الإيطالية أنه يحمل القوات الإيطالية والفرنسية والأميركية المسؤولية عن المجزرة لأنه سلمهم المدينة قبل انسحابه وقوات الثورة منها ولم يسلمها للجيش اللبناني ، لكنهم خذلوه وتركوها، ما أتاح لشارون احتلال المدينة والسيطرة عليها وبالتالي ارتكاب المجزرة.

وأثناء وجوده في تونس كان عدد من أعضاء "فتح" يستعدون للانشقاق عن الحركة بدعم من النظام السوري ، وشكلوا تجمعا أسموه "فتح الانتفاضة" برئاسة  العقيد محمدسعيد موسى  مراغة" أبو موسى"،فتصدى عرفات لـ "المؤامرة "وأعلن أن "المنشقين يريدون أن يسحبوا من الشعب الفلسطيني قراره الوطني المستقل بهدف السيطرة عليه وجعله خاضعا لغير الإرادة الفلسطينية"...أي لسورية .

وتصاعد التوتر والخلاف بين عرفات والنظام السوري.. وفي هذه المرحلة تم اغتيال "رئيس أركان قوات الثورة الفلسطينية " العميد سعد صايل "أبوالوليد" ـ المؤيد القوي لياسرعرفات ونهجه الاستقلالي ـ وذلك في كمين في سهل البقاع الخاضع لسيطرة القوات السورية في لبنان ، واتهم البعض سورية بالوقوف وراء اغتياله .. فتدهورت العلاقات بين المنظمة ودمشق كثيرا.. ونجا عرفات من محاولة لاغتياله في كمين نصب لموكبه على طريق حمص حيث استشهد تسعة من حرسه ومرافقيه ولم يكن هو في الموكب. وفي اليوم التالي  قررت السلطات السورية طرد ياسرعرفات من سورية.

وأعلن جورج حبش ونايف حواتمة مساندتهما لعرفات ،لكن ذلك لم يخفف من قرار دمشق التي عاملته كمجرم:اقتاده أحدالضباط إلى الطائرة التونسية التي كات تنتظره في مطار دمشق.إلاأن ضربة دمشق لعرفات ارتدت عليها، فقد ضاعف القرار السوري من حجم التأييد الواسع لياسرعرفات في أوساط الرأي العام الفلسطيني والعربي ،وأصدر مفتي القدس الشيخ سعد الدين العلمي فتوى تبيح قتل الأسد لقراره طرد عرفات،وحتى داخل سورية كان التأييد لعرفات جارفا وألحق القرارالعار بـ"أبو موسى "وحركته الإنشقاقية .. لقد اتضح ان حركة  الانشقاق الداخلي كانت  نزاعا سوريا ـ فلسطينيا.وكان لهذه المحنة أن عززت مرة أخرى شرعية ياسرعرفات ولم تؤثرفي صلابة موقف زعيم (م.ت.ف) : ففي اليوم التالي من طرده، سافرعرفات إلى براغ للمشاركة في مؤتمر حركة السلام العالمية، وألقى بحضورالوفد الإسرائيلي خطابا معتدلا دعا فيه إلى الحوار والسلام.

 تصادم المنشقون عن فتح مع قوات الثورة ودفعوها خارج مناطق سيطرة السوريين، فتمركزت في طرابلس بشمال لبنان وبدأ القصف ضدها والحصار بدعم سوري ليبي.

تحت الحصار في طرابلس

أخذ المنشقون، تدعمهم القوات السورية الموجودة في لبنان، يدفعون قوات عرفات  تدريجيا خارج المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري. وكان على القوات الموالية لعرفات بدءا من شهر آب/اغسطس1983، أن تتخذ مراكزَ لها في شمال لبنان، وتحديدا في طرابلس ومخيمي اللاجئين المجاورين وهما نهر البارد والبداوي. وحين اشتد قصف القوات السورية والمنشقة للقوات الموالية، كان على عرفات أن يهب لمساعدة مقاتليه ويشد من أزرهم، فأقدم على خطوة وصفها الشاعر محمود درويش، بأنها "فعل الشجاعة الأكثر تألقا في حياته الصاخبة": ارتدى ثيابا مدنية، وحلق لحيته، ووضع نظارة سوداء ليخفي معالم شخصيته، وحمل حقيبة صغيرة،وطار إلى مطار لارنكا في قبرص بجواز سفر مزور ..ومن هناك وصل إلى لبنان عبر البحر.لم يتوقع السوريون الذين يحاصرون طرابلس ولا الإسرائيليون الذين كانوا يفرضون حصارا بحريا مجيئه.وصل عرفات متخفيا في أجرأ عملية اختراق إلى طرابلس في 20/9/1983 ليمنع فرض المنشقين أنفسهم ممثلين شرعيين للمقاومة، وهذا ما كان.

انضم عرفات إلى رفيق دربه خليل الوزير "أبو جهاد"الذي كان في طرابلس يقود القوات الموالية للشرعية الفلسطينية،كان على رجال عرفات الخمسة آلاف أن يخوضوا قتالا ضد أكثر من عشرة آلاف من الجنود السوريين والمنشقين بقيادة أبو موسى، ومقاتلي منظمة الجبهة الشعبية ـ القيادة العامةـ بزعامة  أحمد جبريل، تدعمهم نحو مئة دبابة. ظل أبو عمار يقود العمليات العسكرية من مقره في زقاق في طرابلس يبعد نحو 200 مترعن البحر.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، سقط مخيم نهر البارد ثم مخيم البداوي في أيدي المنشقين بعد معارك سقط فيها نحو 1000شهيد من العسكريين والمدنيين.

بدا أن السوريين على وشك تحقيق هدفهم : القضاء على أبو عمار.عمت الفرحة في إسرائيل حينذاك، وسرت شائعات عن مقتله وانتشرت  بينهم ظاهرة "التبشير" بموت عرفات.لكن هذا الحصار لم يفت من عضد عرفات ايضا.

وفي 19 كانون الأول/ديسمبر  1983 كان الخروج الثاني من لبنان - من طرابلس هذه المرة - وغادرعرفات طرابلس على متن السفينة  "أوديسيوس إيليتيس". كان يرافقه ضباطه و 4000 مقاتل، أقلتهم 5 سفن يونانية ترافقها البحرية الفرنسية.تم  هذا الرحيل بوساطة فرنسية ـ سعودية وبجهود مصرية وصينية مدعومة من غالبية الدول العربية ،ومنها الكويت التي هددت سورية بوقف المساعدات الاقتصادية عنها.

جعل عرفات من معركة طرابلس، وهي فشل عسكري، نصرا سياسيا: ظل رمزا للاستقلالية الفلسطينية  في مقابل أولئك "الدمى السورية"، على حد تعبيره، وازدادت شعبيته حتى في سورية نفسها ــ في مخيم اليرموك للاجئين، القريب من دمشق ــ مهمِشا بذلك المنشقين، الذين لم يتمكنوا بعد ذلك من لعب دور سياسي داخل (م.ت.ف).   
وكان ياسرعرفات قد نجح خلال حصاره في طرابلس بمبادلة 6 أسرى إسرائيليين ب4500 معتقل فلسطيني،مقاتلين ومدنيين، محتجزين في جنوب لبنان وفي إسرائيل  .

عودة مصر

وبعد خروجه من طرابلس فجرعرفات مفاجاة جديدة.. وصل  بدون مقدمات معلنة  إلى مصر التي كانت مقاطعة عربيا، ورغم أن"فتح" اعتبرت الزيارة فيما بعد في بيان (خطأ ناجم عن سوء تقدير) إلا أن عرفات ظل يتمتع بالدعم والقوة.. ثم أقر منتقدو الزيارة لاحقا بصواب قرارعرفات.

كان عرفات قد اتخذ قراره في وقت سابق إبان الحصار في طرابلس.  سيذهب إلى مصر للقاء الرئيس محمد حسني مبارك،رغم تحذيرات أبو جهاد وأبو إياد، وقد اتصلا به عبر اللاسلكي ونصحاه بعدم الذهاب. ولكنه ما أن خرج من طرابلس ووصل إلى عرض البحر، حتى بدأ اتصالاته ترتيبا  لزيارة مصر. وعند وصول السفينة "أوديسيوس إيليتيس" إلى بور سعيد استقبل عرفات ورجاله بتظاهرات ترحيبية من الجماهير،وكان وفد رسمي برئاسة رئيس الوزراء المصري في انتظارعرفات الذي دعاه للقاء الرئيس المصري  مبارك، فقبل عرفات الدعوة واستقل طائرة مروحية ليصل القاهرة ،حيث كان العناق التاريخي بين عرفات ومبارك  في 22 حزيران 1983/يونيو، وفُتحت صفحة جديدة في العلاقات الفلسطينية ــ المصرية وفي العلاقات العربية أيضا.

اعتبر عرفات أن لا خيار أمامه: يجب أن تعود مصر إلى موقعها داخل المجموعة العربية. لا بد من الاعتراف بأن الظروف تغيرت في مصرمنذ العام 1983. مطلوب الآن استرتيجية جديدة للتصدي لمحاولات تصفية القيادة الفلسطينية الحالية، بكل ما تمثله، واستبدالها بدمى تعمل لحساب سورية .

كان عرفات يرى أنه لا يمكن لأحد أن يقبل أن تكون الحركة الوطنية الفلسطينية على عداء مع مصر ومع سورية. ففي الظروف الحالية، التي "تتكالب" فيها سورية على (م.ت.ف)، سيكون من الخطأ التاريخي عدم التوجه نحو بلاد النيل. 

لم يحدث اللقاء  مع مبارك انشقاقات، وظل عرفات يتمتع بالدعم الواسع فلسطينيا وعربيا .وبعد القاهرة توجه عرفات إلى اليمن فالكويت والجزائر.

وخفتت أصداء تلك الزيارة إلى القاهرة تدريجيا. وبعد سنة تذكرأبو إياد تلك الحقبة، فأعلن صواب قرارعرفات في ذلك الوقت،وقال أبو إياد في اجتماع المجلس الوطني في عمان 1984 وسط عاصفة من التصفيق: لقد تملكنا غضب شديد من هذا السلوك. ولكن أحيانا لا بد من المبادرة ودفع باب التاريخ إذا أردنا فعلا فتحه.

وعودة إلى الاردن ..

في الشهور التي تلت الخروج من بيروت زار عرفات عمان مرتين واتفق مع الملك حسين على أن  ملف أيلول/سبتمبر 1970قد أغلق تماما بالنسبة للجانبين لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات الأردنية الفلسطينية .

وفي ذات الوقت كثفت دمشق مساعيها لعزل ياسرعرفات ،وتعقدت أمورعقد المجلس الوطني الفلسطيني في دمشق لأن حافظ الأسد اشترط عقده بدون ياسر عرفات، فانعقد  المجلس في عمان (22- 29 تشرين الثاني 1984)و ليحقق انتصاراستقلالية عرفات الذي تم تجديد انتخابه رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وليجدد شرعية (م.ت.ف) ضد محاولات الهيمنة الخارجية.

وفي 11/2/1985 وقع أبو عمارمع الملك حسين (خطة العمل المشترك الأردني -الفلسطيني) التي تتضمن الموافقة على خطة لمباحثات سلام ضمن وفد مشترك، وإقامة كونفدرالية مع الأردن. ومع إثارة الخطة  لللأزمات في الساحة الفلسطينية والأردنية، ألغى الملك حسين الاتفاق عام 1986، ثم ألغاه المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الـ18 عام 1987. كان الملك حسين والرئيس مبارك قد منحا في أواخر 1985عرفات مهلة ستين يوما للموافقة على قرارمجلس الأمن الدولي  242، ورفضه عرفات لأن القرارلا يحتوي اية إشارة للفلسطينيين.

وفي شباط / فبراير 1986أغلق الملك حسين خمسة وعشرين مكتبا من مكاتب "م ت ف" الستة والعشرين في الأردن، وطرد قادة فلسطينيين كبارا، من بينهم أبو جهاد، بينما راح المنشق الفلسطيني المقرب من الأردن، عطا الله عطا الله (أبو الزعيم)، يبث اتهامات ضدياسرعرفات بأنه"يسعى للإثراء على ظهر الشعب"،لكن تحرك "أبو الزعيم" ضد عرفات كان مكشوفا وفاشلا.

قصف المقر في تونس

في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1985  قصفت 8 طائرات إسرائيلية مقرياسرعرفات وقيادة منظمة التحرير في حمام الشط بتونس  فدمرته، وأسفر القصف عن استشهاد 17 شخصا وإصابة نحو 100 آخرين .

وأفلت عرفات  هذه المرة أيضا  من القصف، وساهم  الشاعر محمود درويش  في  إنقاذه دون قصد : فقد وصل من باريس عشية القصف برفقة أصدقاء أرادوا رؤية الرئيس،  تركهم درويش في الفندق وذهب بمفرده لرؤية عرفات في بيت السفير الفلسطيني في تونس حكم بلعاوي. امتد الحديث حتى ساعة متأخرة من الليل، وفي النهاية أعلن عرفات فجأة أنه سيعود إلى حمام الشط ،لكن درويش اقنعه بالذهاب إلى بيت أبو جهادللمبيت هناك و لمقابلة اصدقاءدرويش.فنجا عرفات حيث وقع القصف قبل ربع ساعة من وصوله إلى المقر .

تمخضت هذه العملية عن نتيجة أخرى خطيرة: فقد ضرب الإسرائيليون بلدا ذا شهرة سياحية واسعة، و تشكل السياحة مصدرا مهما للعملات الصعبةفيه. وتم إرسال  القوات القليلة العدد التي كانت موجودة في تونس لتلتحق بالقوات الفلسطينية الموجودة في العراق واليمن والجزائر والسودان. وخلال بضعة أشهر، انتهى الوجود العسكري الفلسطيني في تونس. وراح عرفات يمضى شهورا طويلة متنقلا بين بغداد واليمن الشمالي وتونس .

حرب المخيمات

بعد الخروج من لبنان في 1983 تركز نشاط عرفات والمنظمة على إعادة البناء الداخلي وعلى العمل في الساحتين السياسية والدبلوماسية، لكن عرفات لم يهمل  إعادة بناء القوة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لقناعته بأن  " أمة تتخلى عن القوة العسكرية هي أمة محكومة بالزوال"، وكان عرفات يزور مقاتليه من وقت إلى آخرفي قواعدهم الموزعة في شمال أفريقيا، والعراق، وصولا إلى اليمن الجنوبي.وكانوا يتدربون دون خشية التعرض لقصف الطيران الإسرائيلي . وفي لبنان بدأت القوى الموالية لعرفات ولمنظمة التحرير  إعادة بناء قدراتها لتأمين الحماية لنحو 350 الف فلسطيني يعيشون في المخيمات .

غير أن القوات السورية التي كانت تسيطر بفعل الأمر الواقع على الجزء الأكبر من لبنان، لم تتأخر في الرد على تلك المحاولات. قدمت الأسلحة والتدريبات لمقاتلي حركة أمل الشيعية اللبنانية.

وبدعم من القوات السورية قامت حركة أمل ـ  التي يتزعمها نبيه بري ـ منذ مطلع 1986 بفرض حصار طويل وقاتل  على المخيمات استمر 18 شهرا قصفت خلالها المخيمات بوحشية ومنع المحاصرون عن قاطنيها الماء والغذاء فترات طويلة . وخلفت هذه" الحرب " نحو 3000 شهيد، وآلاف الجرحى ودمارا واسعا .وأعلن في 11/9/1987 انتهاء  " الحرب" باتفاق أصرعرفات على أن ينص على حق الفلسطينيين في البقاء في المخيمات في لبنان مع أسلحتهم .

القوة والضعف

كان عرفات  يسعى خلال تلك المرحلة الصعبة إلى استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ، وتمكن من عقد الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر (  20ـ25نيسان/أبريل1987) بمشاركة كل المنظمات والفصائل الرئيسية في منظمة التحرير.ودخل عرفات إلى المجلس مصحوباً بالرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، دخول الـمنتصرين بثيابه العسكرية ومسدسه على  وسطه،واستقبل بالهتافات الحماسية، وهنأه الحاضرون بنجاحه في إعادة الوحدة إلى صفوف الـمقاومة الفلسطينية ،وأعلن جورج حبش أن جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني ـ  التي كانت تتخذ من دمشق مقرا لها وقامت بإشراف سوري ـ قد ماتت.وتم تجديد انتخاب عرفات "بقوة" رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة.

ساءت علاقات عرفات مع دمشق والقاهرة بعد اجتماعات الجزائر، وراحت إسرائيل تركزعلى  "الخيار الأردني" مستبعدة أي دور للمنظمة في حل الصراع. واعتقد البعض أن عرفات ومنظمته يضعفان.

وفي هذه المرحلة شارك عرفات في القمة العربية التي عقدت في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1987 في العاصمة الأردنية عمان، وكان عرفات الزعيم العربي الوحيد الذي لم يستقبله الملك حسين في المطار كونه المستضيف للقمة . وقال عرفات بعد اختتامها موجها حديثه إلى الأردنيين " لا تهمشونا"، وذلك  عندما اكتشف أن النسخة الانجليزية من البيان الختامي للقمة لم تحتوي على بند ينص على مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في اي محادثات سلام بينما كانت النسخة العربية تحتويه. كان عرفات يخشى محاولات الالتفاف على المنظمة ودورها ، خاصة أن الملك حسين وقع مع وزير الخارجية الإسرائيلي في 11 نيسان/أبريل 1987اتفاقية لندن، التي تنص على تحديد الوضع القانوني للأراضي المحتلة، بإشراف دولي. واستُبعدت "م ت ف" كليا من هذا المشروع، الذي ما لبث أن أجهضه رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق شامير .

 

لا تتوفر نتائج حالياً