تقرير : الرؤساء السابقون للمجلس الوطني الفلسطيني

الثلاثاء 10 يوليو 2018 11:02 م بتوقيت القدس المحتلة

الرؤساء السابقون للمجلس الوطني الفلسطيني

- أحمد الشقيري:

ولد أحمد أسعد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، في بلدة تبنين الواقعة في الجنوب اللبناني عام 1908. كان والده شيخاً في عهد السلطان العثماني عبد الحميد. وكانت والدته تركية. عاش أحمد الشقيري في بداية حياته في مدينة طولكرم، ثم مدينة عكا، حيث كان والده يمتلك البساتين. تلقى تعليمه الأول في مدارس عكاوية، ثم التحق بمدرسة في القدس، حيث أكمل تعليمه. ثم انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وهناك شهد أحمد الفتى المظاهرات المنددة بإعدام الشهداء في سورية ولبنان في 6 أيار 1916. وفي شبابه انخرط في النضال ضد الانتداب الفرنسي على لبنان، فأمرت الحكومة الفرنسية بإبعاده عن جميع البلاد المشمولة بالانتداب الفرنسي. وكان ذلك في 13 أيار/ مايو 1927.

عاد الشقيري في نهاية عام 1927 إلى عكا، حيث عمل في جريدة "مرآة الشرق"، لصاحبها بولس شحادة؛ مسجلاً بذلك بداية دخوله معترك الصحافة والنشاط السياسي الفاعل. وبدأ يشارك في الندوات والمؤتمرات التي تعقد في فلسطين، ولا سيما مؤتمر يافا عام 1928. وأسهم في إنشاء جمعيات الشبان المسلمين على غرار ما عرفته مصر من جمعيات إسلامية. وكان عضواً في مؤتمر مدينة القدس الذي تقرر فيه تأسيس جمعيات الشبان المسلمين في كل أنحاء البلاد العربية والإسلامية.

درس الشقيري الحقوق وأصبح محامياً. وعمل مع الحاج أمين الحسيني في الحقل الوطني. وشارك في ثورة 1936 في فلسطين. وكان البريطانيون يطاردونه، فاعتقل في مدينة دير البلح في قطاع غزة، بينما كان متوجهاً إلى القاهرة؛ وأودع سجن القطاع، ثم سجن عكا. وبعد الإفراج عنه، رحل إلى سورية، ثم عاد إلى عكا عام 1940، بعد أن سمحت له سلطات الانتداب البريطاني بالعودة.

عاصر أحمد الشقيري العهدَين العثماني والبريطاني، وأحداث فلسطين وحربها، وتأسيس الجامعة العربية التي عمل فيها سبع سنوات. عاش الحياة العربية العامة، فسار في موكبها، ووقف على أحداثها، وساهم في صنع وقائعها عبر حقبة حافلة، امتدت ما يقرب من نصف قرن، شهد خلالها المخاض العسير للوحدة العربية. وكانت القضية الفلسطينية خلال هذه الفترة، هي القنبلة، التي تساقطت شظاياها في عدد من العواصم العربية والأجنبية، فأحدثت الثورات والانقلابات والانتفاضات. وقد حققت تلك الثورات كثيراً من الإنجازات السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ لكنها لم تحقق الإنجاز الكبير للقضية الفلسطينية، التي قامت من أجلها.

شغل أحمد الشقيري عام 1951 منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية، المكلف بالشؤون الفلسطينية. وعمل رئيساً للوفد السوري والوفد السعودي إلى هيئة الأمم المتحدة، مدة خمسة عشر عاماً. وانتهى عمله في الهيئة الدولية عام 1962. دافع خلال هذه المدة عن القضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين؛ وتصدى للاستعمار ورجاله، أمثال: الملك جورج السادس، والرؤساء: ترومان، وآيزنهاور، وكنيدي، وديجول، ووزرائهم وسفرائهم. وفي عقب وفاة أحمد حلمي عبد الباقي عام 1963، ممثل فلسطين في الجامعة العربية، اختِير أحمد الشقيري خلفاً له؛ طبقاً لملحق ميثاق الجامعة العربية المتعلق بفلسطين، والذي ينص: "على أن يتولى مجلس الجامعة أمر اختيار مندوب عربي من فلسطين، للاشتراك في أعماله، إلى أن يتمكن الشعب الفلسطيني من اختيار ممثليه". وتضمنت الفترة الأولى من قرار مجلس الجامعة الرقم 1909 الصادر في 19/ سبتمبر 1963، اختيار أحمد الشقيري مندوباً لفلسطين في الجامعة العربية.

بعد هذا التكليف، عمد أحمد الشقيري إلى الاتصال بالشعب الفلسطيني والدول العربية؛ من أجل التحضير للمؤتمر الفلسطيني الأول، الذي انبثقت عنه منظمة التحرير الفلسطينية ونظامها الأساسي وميثاقها. وانتُخب الشقيري رئيساً لها. ومنذئذٍ، أخذ يجوب بقاع الأرض، من أجل تعبئة الرأي العام لنصرة فلسطين؛ داعياً إلى وحدة الشعب الفلسطيني؛ فضلاً عن دعوته إلى الوحدة العربية التي رآها طريقاً إلى تحرير فلسطين.

كان يؤمن بأن قضية فلسطين هي ملك شعبها، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في شأنها؛ وعليه أن يبني كيانه بعقله، وإرادته، وعزيمته، ولا تبنيه الدول العربية سواء مجتمعة أو منفردة؛ وإنما يقتصر دورها على دعم كفاح الفلسطينيين. فهو يؤمن إذاً، أن الكيان الفلسطيني "فلسطيني عربي"؛ فلسطيني البناء، ولكنه عربي الوسائل والإمكانات؛ فإذا كانت الوسائل هزيلة، كان الكيان هزيلاً، وإذا كانت قوية، كان قوياً وثورياً.
شرع الشقيري يؤسس الجيش الفلسطيني النظامي، (جيش التحرير الفلسطيني)، في قطاع غزة وبعض البلدان العربية. وتولّى تمثيل فلسطين في مؤتمرات القمة العربية، وفي المؤتمرات الدولية. وكان لا ينظر إلى المنظمة بصفتها عملاً فدائياً فقط؛ بل بادر إلى توجيه سياستها نحو بناء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، بهدف تلبية حاجات الشعب الفلسطيني؛ بل جعل منها دولة توفّر جميع الخدمات للشعب الفلسطيني المشتت؛ وهو ما نصت عليه المادتان (11 و28) من ميثاقها القومي.

وفي عهد أحمد الشقيري، تأسس العديد من المؤسسات المدنية، مثل: مؤسسة رعاية أُسَر الشهداء والمسجونين، وهي تناظر دائرة الشؤون الاجتماعية في منظمة التحرير الفلسطينية. وقد تأسست عام 1965، بغرض رعاية عائلات أولئك الذين يستشهدون في مواجهة العدوّ الإسرائيلي.

اضطلع أحمد الشقيري، منذ ولادة المنظمة بدور سياسي مهم؛ إذ عمل على إبراز دورها سياسياً، حيث لم يكن للشعب الفلسطيني دور سياسي منفصل عن الأمة العربية؛ وإنما انحصر دوره في النطاق العربي. لقد بذل الشقيري جهداً ضخماً من أجل توسيع نطاق الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني؛ والاعتراف بحق هذا الشعب في العودة، وتقرير المصير، وإنشاء دولته المستقلة على أرض وطنه. ولذلك سعى إلى توطيد علاقة المنظمة بدول العالم، ولا سيما الدول الاشتراكية، وفي طليعتها الاتحاد السوفييتي، والصين الشعبية، التي سمحت بتدريب جيش التحرير الفلسطيني على أراضيها؛ وزارها وفد من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965.

إن علاقات المنظمة خلال تلك الفترة بدول العالم الثالث، والكتلة الاشتراكية، والتنظيمات الثورية في العالم ـ أسهمت في دعم منظمة التحرير الفلسطينية، عسكرياً ومالياً وسياسياً؛ إذ أصبحت القضية الفلسطينية تحتل مكانة مرموقة على الصعيد الدولي؛ واطّرد اكتسابها مزيداً من الأصدقاء والمؤيدين. فانطلقت تدافع عن قضيتها سياسياً وعسكرياً؛ مبرزة الدور السياسي والعسكري لشعب فلسطين. ولم يكفّ الشقيري عن التنقل بين الدول العربية من أجـل كسب الدعم والتأييد، وتحقيق مكاسب، سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية.

منذ تكوين المنظمة، لم يحدث بينها وبين التنظيمات لقاء حقيقي، يجمعهما تحت راية المنظمة. ولذا، تفجر الصراع بينهما، وتمثّل في الانتقاد الشديد للمنظمة ورئيسها، الذي تفاقمت أمامه الصعاب؛ إضافة إلى تحديات الأنظمة العربية، وخاصة الأردن؛ فأصبح عاجزاً عن توسيع مظلة المنظمة، لتستوعب في أطرها وأنشطتها كلّ الشعب الفلسطيني وأدواته النضالية، من خلال التنظيمات. ففي كانون ثاني يناير 1967، اعتقلت السلطات الأردنية عدداً من المسؤولين في المنظمة، متذرعة بالانفجارات التي وقعت في القدس، وتسببت بإغلاق المكتب الأردني فيها؛ ما أثار غضب أحمد الشقيري، وجعله يوجه الانتقـاد إلى الملك حسين.

أثارت بعض القرارات التي أصدرها أحمد الشقيري في مطلع فبراير 1967، والمضادة لجيش التحرير، ونقل شفيق الحوت مدير مكتب المنظمة في بيروت، إلى الهند سخط ذلك الجيش وبخاصة كبار الضباط ومعارضة الحوت، واستنكار بعض قادة المنظمة لنقله، واعتراضهم على تصرفات رئيس المنظمة.

في الوقت نفسه حدث خلاف بين رئيس المنظمة ومندوب الحكومة الأردنية في اجتماعات الدورة العادية السابعة والأربعين، لمجلس جامعة الدول العربية، التي عقدت في القاهرة من 14 إلى  18آذار/ مارس1967؛ وذلك في أعقاب اتهام الشقيري للحكومتَين الأردنية والسعودية، بالخروج عن مقررات الجامعة العربية، ومطالبته بطرد الأردن منها. وقد انتهى الخلاف إلى انسحاب المندوب الأردني من الاجتماعات. أمّا الحكومة السعودية، فأعلنت في مذكرة رفعتها إلى الأمانـة العامة للجامعة في 16/ مـارس 1967، عدم قدرة رئيس المنظمة على تمثيل الكيان الفلسطيني.

وخلاف الشقيري مع كلٍّ من الأردن والمملكة العربية السعودية، وبعض أعضاء قادة المنظمة، استمر حتى عشية حرب 5/ حزيران يونيو 1967. وبعد هزيمة الجيوش العربية، فقدت المنظمة والتنظيمات الفلسطينية ثقتها بها؛ وانبثقت الإرادة الفلسطينية معتمدة على العمل الفدائي. وأصبح على الشعب الفلسطيني أن يتولى زمام المبادرة بنفسه في شؤون قضيته العسكرية والسياسية. وقد شجع ذلك التنظيمات على أن تبرز في الساحة الفلسطينية، وخاصة في المناطق المحتلة، وأن تقف في وجه أحمد الشقيري، وتكتسب التأييد الجماهيري الفلسطيني المناهض للمنظمة وبعض الأنظمة العربية؛ ما جعل الشقيري في وضع الحائر بين موقعه من المنظمة، التي لم يشتد ساعدها، وبين الأنظمة العربية والتنظيمات الفلسطينية.

وجد الشعب الفلسطيني نفسه في الأرض المحتلة بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، أنه قد وقع تحت ظلم الاحتلال مضطراً إلى المواجهة، بمعزل عن الدعم العربي. وأدت هذه المواجهة إلى اتساع نطاق التفاعل بين الجماهير الفلسطينية والتنظيمات الفدائية؛ ما أضعف من موقف أحمد الشقيري.

ويمكن القول إن العمل الفدائي الفلسطيني، قد أصبح بعد يونيو 1967، بلا منازع، ممثلاً للإرادة الوطنية النضالية للشعب الفلسطيني. كذلك، تقلصت قوة تأثير الأنظمة العربية في الشعـب الفلسطيني، وبدأ بعض التنظيمات، مثل: "فتح"، تظهر بشكل واضح على مسرح الأحداث.

في نهاية عام 1967، تعرضت المنظمة من جديد، لبعض التطورات الداخلية. وتفاقمت متاعب أحمد الشقيري. وازداد نشاط تنظيمات الشعب الفلسطيني، بل كُوِّنت تنظيمات جديدة تساير الظروف الطارئة، وكان لا بدّ من أن تهبّ رياح التغيير، بعد الخلاف بين المنظمة وحركة فتح، التي وجّهت مذكرة إلى مؤتمر وزراء الخارجية العرب، ذكرت  فيها  أن المنظمة من حيث رسالتها يجب أن تضطلع بواجبها الوطني في الأرض المحتلة؛ بينما كلّ العمليات العسكرية يجب أن تضطلع بها حركة فتح، والتنظيمات الفلسطينية الأخرى.

في 14 كانون أول/ ديسمبر 1967،رفع سبعة من أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة، مذكرة إلى رئيس المنظمة؛ مطالبينه بالتنحي عن الرئاسة، ووجّه "الاتحاد العام لطلبة فلسطين" برقية إلى عبد الخالق حسونة، الأمين العام لجامعة الدول العربية، في 19 كانون أول/ ديسمبر مؤيداً تنحية الشقيري.

ويمكن القول إنه في هذه الفترة، تقاربت في وجهات النظر بين كافة الفصائل الفلسطينية، بهدف تنحية الشقيري، الذي غضب وأقدم على فصل السبعة المطالبين بتنحيته؛ فأصبح عدد أعضاء اللجنة التنفيذية سبعة أعضاء بدلاً من أربعة عشر عضواً.

إزاء الضغوط على الشقيري، بادر إلى دعوة اللجنة التنفيذية بكامل أعضائهـا، إلى جلسة عقدت برئاسته، في مقر المنظمة، في القاهرة، بتاريخ 24 كانون أول/ ديسمبر 1967؛ وأعلن فيها بإيجاز شديد، وبحضور ممثلي وسائل الإعلام المختلفة، تنحِّيه عن رئاسة المنظمة.
وبعث الشقيري بكتاب استقالته إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي سلمته إياه المنظمة، كذلك، مع كتاب آخـر باعتماد يحيى حمودة، ممثلاً لفلسطين لدى الجامعة.

كذلك، وجهت المنظمة رسالة إلى مجلس الجامعة العربية في خصوص الاستقالة، جاء فيها: "إن منظمة التحرير الفلسطينية، تعتبر أن استقالة رئيسها السابق أمر داخلي. وهو لا يؤثر في تمثيل المنظمة للشعب العربي الفلسطيني، ولا في قرارات مجلس جامعة الدول العربية؛ ومنها ما أقره المجلس على مستوى الملوك والرؤساء".

قبلت اللجنة التنفيذية أستقالة الشقيري. وأعربت في رسالتها إليه، في اليوم نفسه، عن تقديرها وشكرها العميقَين، للجهود التي بذلها منذ قيام المنظمة. كما اتخذت قراراً بموافقة جميع أعضائها، يعهد إلى يحيى حمودة، أحد أعضائها، رئاسة المنظمة، بالوكالة؛ وتمثيل فلسطين لدى الجامعة العربية إلى حين انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني.

وفي اليوم التالي أصدرت اللجنة التنفيذية بياناً، تعهدت فيه بتشكيل مجلس، تتمثل فيه إرادة الشعب الفلسطيني: تنبثق منه قيادة جماعية مسؤولة، تسعى إلى توحيد النضال المسلح وتطويره، وتحقيق الوحدة الوطنية، وتعبئة الجهود القومية، وتطوير أجهزة المنظمة.

وافقت الوفود العربية المشاركة في دورة انعقاد مجلس جامعة الدول العربية، العادية، الثامنة والأربعين،  8 شباط /فبراير 1968، على تنحّي أحمد الشقيري، واختيار يحيى حمودة خلفاً له، بالوكالة، ومفوضاً إليه ممارسة كافة اختصاصاته.

بعد الشقيري، بدأت مرحلة من مراحل تطور منظمة التحرير، بضمها المنظمات الفدائية التي قادت العمل الفلسطيني المسلح في السنوات التالية. وكان عام 1968، مرحلة انتقال المنظمة من العمل السياسي إلى العمل العسكري، وهو العام الذي شهد، كذلك، محاولة المنظمات الفدائية تطوير المنظمة، وجعلها "منظمة ثورية" عسكرية، تعمل من أجل توحيد جميع فصائل المقاومة في تنظيم واحد، لحرب تحرير شعبية طويلة الأمد.

لقد كان الشقيري من المؤمنين بفكرة الوحدة العربية الشاملة. ونجح إلى حد كبير، في جعل هذا الشعار هدفاً قومياً أجمع عليه كلّ الشعب الفلسطيني؛ إذ دعا في أواسط تشرين أول/ أكتوبر 1967 إلى مشروع إقامة "الدولة العربية المتحدة". وكان الرجل مناضلاً فلسطينياً شريفاً، قضى عمره في مواقع السياسة. وظل يناضل من أجل فلسطين، وتوج هذا النضال بترؤسه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؛ وعلى الرغم من أنها جاءت بقرار عربي، فقد أكد الشخصية الفلسطينية ولو في إطارها السياسي.

ولم ينقطع نضال أحمد الشقيري حتى فارق الحياة، في الأول من آذار/ مارس 1980. حيث كان ـ رحمه الله ـ الابن البار بشعبه وأمته، عروبي الانتماء، وقومي الجذور، بقدر ما كان فلسطيني الهوية، إنساني النزعة.

- عبد المحسن القطان:

ولد في مدينة يافا في العام 1929، وبدأ دراسته بالمدرسة الأيوبية فيها، ثم التحق بكلية النهضة في القدس، التي كان يرأسها المربي خليل السكاكيني. وفي العام 1951، تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت بدرجة الباكالوريوس في إدارة الأعمال.

شارك القطّان في العمل الاجتماعي والخيري والتنموي على مستويات مختلفة منذ أوائل الثمانينيات؛ فكان أحد مؤسسي مؤسسة التعاون، ومحافظ فلسطين في الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأمريكية ببيروت.

 قدم القطان منحاً للعديد من الطلاب الفلسطينيين والعرب في دراساتهم الجامعية، ووفر الدعم والمساندة للعديد من المؤسسات مثل مركز دراسات الوحدة العربية، ومؤسسة أحمد بهاء الدين، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، وجامعة بيرزيت .. وغيرها.

وعلى الرغم من حياته المهنية الناجحة، انخرط عبد المحسن القطان في السياسة الفلسطينية والعربية؛ فمثل شعبه في زيارات دولية عدة، حيث رافق أحمد الشقيري إلى الصين في العام 1964 ودعم منظمة التحرير الفلسطينية الوليدة في أيام مهدها في الكويت، وفي العام 1969، انتخب رئيسا للمجلس الوطني الفلسطيني خلال اجتماع المجلس في القاهرة.

وفي نهاية العام 1993، أطلق مؤسسة عبد المحسن القطان في لندن، التي أصبحت بحلول العام 1998 نشطة تماماً في فلسطين، من خلال مجموعة من البرامج والمشروعات في مجالي الثقافة والتربية. في أيار العام 1999، عاد إلى فلسطين وزار لأول مرة منذ العام 1948 مسقط رأسه يافا، ومُنح شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة بيرزيت.

وفي عام 2008 قلده الرئيس محمود عباس وسام نجمة الشرف الفلسطينية تقديرا لدوره النضالي، في آذار 2011، أعلن القطان عن قراره تخصيص ربع ثروته لإنشاء صندوق لضمان استدامة واستقلالية المؤسسة التي تحمل اسمه، واستمرارها في إحداث التغيير المجتمعي المطلوب. كما أعلن عن قراره دعم تأسيس معهد دراسات استراتيجية مستقل، يقدّم دراسات في زوايا متعددة ذات علاقة بالقضية الفلسطينية.

وفي الرابع من كانون الأول 2017 أعلن عن فاته في العاصمة البريطانية لندن عن عمر يناهز86 عامًا، ونعاه الرئيس محمود عباس قائلاً: إنه بوفاة القطان خسرت فلسطين رجلًا مناضلًا وهامة وطنية شامخة، وواحدًا من أكبر الداعمين لفلسطين من خلال مؤسسات تنموية خاصة.

- يحيى حمودة:

ولد يحيى إسماعيل موسى حمّودة في قرية لفتا قضاء القدس عام 1909، درس القرآن الكريم في القرية، ثم التحق بمدرسة الأيتام السورية "مدرسة شنلّر"؛ وفي عام 1921م التحق بالمدرسة الرشيدية ودرس فيها حتى عام 1925م، ثم التحق بدار المعلمين في القدس من سنة 1925م وحتى 1927م؛ وبعد تخرّجه عين كاتبا في دائرة حاكم اللواء في القدس، وذلك سنة 1929م.

انخرط يحيى حمودة مبكرًا في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، وذلك أثناء ثورة 1936؛ فقام بجمع التبرعات دعما للثوار؛ فاعتقل لمدة أربع سنوات،  حتى سنة 1940 دون محاكمة؛ وأطلق سراحه بكفالة مالية، واتخذت بحقه إجراءات احترازية؛ حيث منع من مغادرة القدس، وفرضت عليه الإقامة الجبرية؛ ونتيجة هذه القيود شل نشاطه السياسي في حينها.

 التحق في الثلاثين من عمره بكلية الحقوق بالقدس، وحظرت عليه سلطات الانتداب البريطاني مواصلة الدراسة؛ وعقب زوال الحظر، التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، وتخرج منها عام 1943، بحصوله على إجازة المحاماة، فعاد إلى القدس، وفتح مكتبه الخاص في 23-7-1943.

 انتقل إلى مدينة رام الله الفلسطينية بعد وقوع مجزرة دير ياسين في 9/4/1948، وأصدر صحيفة "الهدف"، بالتعاون مع برهان الدجاني، رافضًا آنذاك الانتماء لأي حزب سياسي؛ لإيمانه الشديد بضرورة توحيد جهود الجبهة الوطنية الفلسطينية في مقاومة الاستعمار. بادر وآخرون الى تأسيس "الجبهة"، وهي تكتل سياسي ذو صبغة يسارية.

 وكان يحيى حمودة أول من دعا إلى إقامة علاقات مع الاتحاد السوفييتي، وبقي في صفوف الجبهة حتى عام 1957، وكانت الجبهة على علاقة جيدة مع حكومة النابلسي (في الأردن)، حيث كان عضوًا فيها. وعندما أجبر النابلسي على الاستقالة، تعرض أعضاء الجبهة للملاحقة والمطاردة والاعتقال من قبل الحكومة الأردنية؛ الأمر الذي أدى إلى اختفائه في ثنايا مخيم قلنديا شمال مدينه القدس.

 بعد فترة من التخفي غادر البلاد تهريبًا إلى شرقي الأردن، ومن هناك إلى سوريا، بمساعدة قوة عسكرية سورية كانت مرابطة قرب مدينة إربد؛ وصدر بحقه حكمًا غيابيًا في الأردن بالسجن المؤبد؛ وسحبت الحكومة الأردنية جنسيته وجواز سفره. سافر بعد ذلك إلى العراق للمشاركة في مؤتمر عربي، ولم ترق له الحالة بسبب انتشار الخوف والإرهاب الذي مارسته وشنته حكومة عبد الكريم قاسم؛ فسافر إلى تشيكوسلوفاكيا عام 1959، وأقام فيها حوالي عامين، ثم سافر إلى ألمانيا الشرقية؛ وتعددت زياراته إلى الاتحاد السوفييتي.

عندما تولى خالد العظم رئاسة الوزراء في سوريا، قرر يحيى حمودة السفر إلى سوريا مستفيدًا من صداقة قديمة كانت تربطه به؛ وأثناء وصوله المطار، لم يسمح له بالدخول لعدم حمله جواز سفر؛ فاتصل بالعظم شخصيًا؛ فاصدر العظم أمرًا بالسماح له بالدخول؛ وبقي في سوريا حتى عام 1964، إلى أن أصدرت الحكومة الأردنية عفوًا خاصًا عنه في تشرين أول/أكتوبر من العام نفسه؛ فعاد إلى رام الله عبر مطار قلنديا.
 في العام نفسه (1964) طلب أحمد الشقيري (رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك) من المحامي يحيي حمودة ورفاقه الانضمام للمنظمة؛ فقوبل الطلب بالموافقة، على أن تكون القرارات، التي تتخذها المنظمة، جماعية والقيادة جماعية؛ وفيما بعد جرى إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتخب المحامي يحيي حمودة رئيسًا لها؛ ولم يدم طويلا في منصبه؛ إذ قدم استقالته في العام 1969، وترأس المجلس الوطني الفلسطيني.

 استقال يحيى حمودة من رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، وتفرغ لممارسة مهنة المحاماة في عمان حتى العام 1985، حيث تقاعد وعاش في الأردن إلى أن وافته المنية في حزيران/ يونيو 2006. 

 
- خالد الفاهوم:

ولد خالد الفاهوم عام 1922 في مدينة الناصرة، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، ثم درس العلوم الكيميائية في الجامعة الأميركية في بيروت؛ وكان جزءًا من حركتها الطلابية المناضلة ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي.

تخرّج الفاهوم من الجامعة عام 1945 ليعود الى مسقط رأسه (الناصرة)، ليدرس مادة العلوم في الثانوية التي تخرج منها.
 شارك الفاهوم في الدفاع عن الناصرة ضد الهجمة الصهيونية في منتصف تموز 1948م. وبعد الهزيمة هاجر مع الذين خرجوا؛ بسبب التحاقه بالثوار الفلسطينيين إلى لبنان ثم الى العراق.

 انتقل بعد ذلك إلى سوريا ليستقر في مخيم درعا القريب من الحدود الأردنية السورية، عمل مدرساً للكيمياء والفيزياء والعلوم في ثانوية درعا بمنطقة حوران. وبعد عامين من مزاولة مهنة التدريس أصبح خالد الفاهوم مديراً للثانوية؛ ثم تولى مسؤولية مدير التربية في محافظة درعا بعد مرور عامين آخرين.

انتقل خالد الفاهوم إلى القاهرة حيث عمل لمدة ثمانية أشهر في وزارة التربية والتعليم المصرية، ثم أصبح ملحقاً ثقافياً للجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) في واشنطن؛ واستمر في هذا المنصب حتى عام الانفصال ما بين سوريا ومصر عام 1961م.

عاد خالد الفاهوم إلى القاهرة؛ حيث تولى منصب "مدير إذاعة فلسطين" حتى عام 1964، ليعود من جديد إلى سوريا للعمل في وزارة التربية والتعليم إلى أن تم إنشاء "منظمة التحرير الفلسطينية" عام 1964م فكان من أبرز الشخصيات التي أسهمت في تأسيسها؛ وأصبح عضواً في لجنتها التنفيذية حتى عام 1969م، عندما انتخب رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني لخمس دورات متتالية (حتى عام 1984) لينتخب عوضا عنه الشيخ عبد الحميد السائح.

ترأس خالد الفاهوم بين عامي (1983 – 1987) "جبهة الانقاذ الوطني الفلسطيني" وهي عبارة عن تحالف لعدة فصائل فلسطينية معارضة للرئيس ياسر عرفات آنذاك، والتي فشلت بالتدريج لانسحاب الفصائل المهمة منها.
توفي خالد الفاهوم في دمشق يوم 5 شباط 2006م إثر سكتة قلبية عن عمر ناهز الـ 83 عاماً، ودفن جثمانه في مقبرة الدحداح بالعاصمة السورية دمشق.

في 12 تشرين الثاني 2013 منحه الرئيس محمود عباس وسام "نجمة الشرف" من الدرجة العليا؛ تقديرًا لدوره الوطني الكبير خلال جميع مراحل الثورة الفلسطينية، ولحرصه على القرار الوطني الفلسطيني المستقل والوحدة الوطنية، ومشاركته الفعالة في صون مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد لشعبنا من خلال دوره البارز كرئيس للمجلس الوطني الفلسطيني لسنوات عديدة.

- الشيخ عبد الحميد السائح:

ولد عبد الحميد السائح عام 1907 في مدينة نابلس، وتلقى تعليمه المدرسي فيها؛ وبعد أن أنهى دراسته فيها سافر إلى القاهرة؛ حيث حصل على الشهادة العالمية من الأزهر الشريف، ثم شهادة التخصص من مدرسة القضاء الشرعي، ليعود إلى فلسطين ويعمل مدرساً للغة للعربية والدين في كلية النجاح الوطنية بنابلس في عامي 1928 و 1929؛ ثم كاتباً ورئيساً لكتاب محكمة نابلس الشرعية عام 1930؛ ثم قاضياً شرعياً في نابلس 1935؛ فسكرتيراً عاماً للمجلس الإسلامي الأعلى 1939؛ ثم قاضياً شرعياً للقدس عام 1941، فعضوًا في محكمة الاستئناف الشرعية 1946؛ ثم عين رئيساً لمحكمة الاستئناف الشرعية عام 1948م؛ ثم أميناً عاماً للمجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين.

 في عام 1950م عين رئيساً لمحكمة الاستئناف الشرعية في الأردن؛ كما عين عضواً في مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية، وعضوًا في مجلس كلية الشريعة في عمان؛ وعضواً في مجلس إعمار المسجد الأقصى.

بعد عدوان الخامس من حزيران / يونيو 1967 اتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلية بمخالفة القوانين الدولية المتعلقة بالأراضي الواقعة تحت وطأة الاحتلال؛ كما اتهمها بخرق حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية معًا، وتعمدها الإساءة إلى شعور المسلمين والمسيحيين عن طريق تدنيس مقدساتهم؛ فأقدمت السلطات الإسرائيلية على إبعاده في الأول من أيلول 1967، ليكون أول فلسطيني يبعد عن وطنه بعد احتلال 1967.

تسلم أول منصب وزاري في الأردن؛ حيث عين وزيراً للشؤون الدينية والأماكن المقدسة في 26/11/1968 حتى 27/6/1970؛ ثم عين قاضياً للقضاة، ووزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلإمية مرة أخرى.

في الدورة السابعة عشرة التي عقدت في العاصمة الأردنية (عمان) في الفترة من  22 و29 تشرين ثاني/ نوفمبر 1984م، انتخب رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني، خلفاً لخالد الفاهوم؛ وانتخب سليم الزعنون نائباً أولاً للرئيس؛ ومحمود تيم نائباً ثانياً للرئيس؛ ومحمد صبيح أميناً للسر؛ واستمر رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني حتى عام 1996؛ إذ اعتزل العمل السياسي بسبب المرض، واستقال من رئاسة المجلس الوطني، وأوكل إدارة المجلس لنائبه سليم الزعنون.

وقد مارس الشيخ السائح أنشطة متعددة منذ أوائل شبابه؛ فكان من الأعضاء المؤسسين لجمعية الشبان المسلمين  فرع نابلس 1928، ومن أعضاء مؤتمر التسليح المنعقد في نابلس 1931، ومن أعضاء مؤتمر فلسطين الأول 1935.
بعد إبعاده عن وطنه 1967، عمل على عقد المؤتمر الكبير في عمان 1968، الذي نتج عنه إنشاء لجنة دائمة لإنقاذ القدس.

مؤلفاته:

- التضامن الاجتماعي في الإسلام، 1941م.
- واجبنا تجاه ناشئتنا، 1942م.
- مبادئ في الدين الإسلامي (6 أجزاء)، 1945م.
- نهج الإسلام (4 أجزاء)، 1947.
- مكانة القدس في الإسلام، 1969م. 
- ماذا بعد إحراق المسجد الأقصى؟ 1970م.
- الإرهاب أنواعه وأخطاره، 1986م.
- فلسطين، لا صلاة تحت الحراب (سيرة ذاتية)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2001م.

عاش السائح مناضلاً وطنياً كرس حياته من أجل نصرة الحق الفلسطيني، وحماية القدس الشريف من عبث المحتلين، توفى في عمان بتاريخ 11 كانون الثاني 2001م ودفن في القدس بناء على وصيته.

 في 22 تشرين الثاني 2013 منحه رئيس دولة فلسطين (محمود عباس)، "وسام نجمة الشرف" من الدرجة العليا؛ تقديرًا لدوره الوطني الكبير خلال جميع مراحل الثورة الفلسطينية، وحرصه على القرار الوطني الفلسطيني المستقل من خلال مواقفه وكتاباته، وجهوده في الحفاظ على مكانة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًّا وحيدًا لشعبنا الفلسطيني من خلال دوره المهم كرئيس للمجلس الوطني الفلسطيني.

لا تتوفر نتائج حالياً