شاهدان على النكبة يرسمان أم الزينات والفالوجة

الجمعة 13 يوليو 2018 10:37 م بتوقيت القدس المحتلة

شاهدان على النكبة يرسمان أم الزينات والفالوجة

أعاد الحاجان السبعينيان محمد حمد صبح، ومحمد صالح عرجا، رسم قريتهما أم الزينات والفالوجة، بتفاصيلها الدقيقة، وسهولها، ومبانيها، وأسواقها، وحقولها، وجبالها، وعائلاتها. واستعاد صبح والعرجا لحظات سقوط القريتين بأيدي العصابات الصهيونية عام 1948.

 واسترد صبح، الذي خرج إلى الحياة عام 1932، تكوينات أم الزينات، جنوبي حيفا، التي قضى فيها طفولته، وتذكر كرملها وزيتونها ولوزها وخروبها. فيما لا تزال ذاكرته تختزن معالم خلة الزرد، وزيتون المقشور، والرجم، والانجاصة، وجرن البارود، وكرم ظاهر، والحساسنة، ودار أحمد القاسم، وخلة الجاج، وبير الناطف، وأراضي الروحة، وغدران العليق، ووادي أبو نمر، والشقاق، والصفصافة، وبير الهرامس، وشمهورش، اللذين أخذا اسميهما من أسطورة الجن والخرافة.

درس أبو منصور في قريته حتى الصف السابع، بعدها انتقل لمدرسة البرج الثانوية بحيفا لإكمال الأول ثانوي، وسكن في حي حواسة، وحافظ على تفوقه وتحصيله المتقدم، فكان في مقدمة التلاميذ. وحين كان يذهب أساتذته إلى حيفا للحصول على معاشاتهم، تولى بنفسه تدريس التلاميذ بطلب من المدير.

وقال: 'في إحدى ليالي أيار، كنا ننام في بيتنا، وبجنبي أبي وأخي وابن عمي محمد مصطفى، وعند الفجر دخل علينا أخي الأكبر مسرعا، ليخبرنا أن العصابات دخلت البلد، لنسمع بعدها صوت إطلاق النار من سلاح 'برين' البريطاني، فهربنا إلى أحراش الكرمل، ثم انتقلنا إلى إجزم، ودالية الكرمل والفريديس، وأمضينا نحو أربعة أشهر في إجزم، التي ظلت تقاوم اليهود بشراسة، لنذهب منها إلى أراضي الروحة، ونقيم في أم الفحم حتى شتاء عام 1948. بعدها اتجهنا نقصد بلدة الكرامة في الضفة الشرقية، غير أن الجنود الأردنيين أعادونا، ورجعنا إلى النويعمة قرب أريحا.'

ويتذكر صبح مشاهد قتل زعيم أم الزينات عبد الغني بشر، وتصفية محمد سليم حردان وهو نائم، ومشاهد الرعب، والمحنة، والشتاء الحزين.
عمل صبح مدرسا للغة العربية والاجتماعيات، في مدرسة مخيم الجلزون للاجئين منذ آب 1949، ثم انتقل إلى مدرسة مخيم الفارعة، قبل أن يفصله قرار حكومي أردني عن العمل، لانتمائه للحزب الشيوعي بعد ثماني سنوات.
وتابع: 'كنت أحرص على العودة إلى أم الزينات، وعلّمت تلاميذي أنهم ينحدرون منها ومن القرى المدمرة، واصطحبتهم بعد النكسة (1967) إليها في رحلة، وفتشت عن المدرسة، وعثرت على فناجين القهوة، والجرن الخشبي في دارنا. وقلت ليهودية مستوطنة هذا هو بيتنا، وأنتم سرقتموه.'

ورسم محمد عرجا، معالم قريته الفالوجة، التي ولد فيها عام 1934: 'كان عدد سكانها خمسة آلاف، وفيها بلدية، ومدارس ثانوية وابتدائية للبنات، ومركز صحي، ومحكمة، ومسلخ للحوم. وكانت الفالوجة متطورة، وتعيش على الزراعة والتجارة.'

وفق عرجا، فإن لبلدة قصة تاريخية، عمرها أكثر من ثمانية قرون، فحين فتح القائد صلاح الدين الأيوني القدس، جاء معه من العراق أحمد بن محيي الدين البطالحي (الأشهب)، ومات في الفالوجة، ودفن في منطقة اسمها زريق الخندق، تبتعد عن بلدنا نحو ثلاثة كيلومترات غربا، وانتشر أولاده فيها، وظل مقامه مكانا يرتبط بالنذر، وإيفاء الدين، وحل النزاعات، والتقاضي.'

ويعدد عرجا مناطق قريته التي تقع شمال غزة وغرب الخليل: الشومرة، والخصاص، وأم النعاج، والرسوم، وخربة الشلف، ودار كركية، وأبو الغربان، ومليطة، والقبال. وفي كل يوم خميس ينعقد سوق البرين، وفيه يتوافد الناس من البلدات والمدن المجاورة للمتاجرة بالسلع المختلفة، كالقماش واللحوم والذهب والخضار.

وقال: 'كنا نشاهد مواسم وادي النمل، والمنطار، أسدود، والنبي روبين، والرملة، التي كانت مثل العرس، وتعقد في شهر أيار، وفيها سباقات خيول على البحر، ودبكة، وأناشيد دينية للفرق الصوفية، وبيع، وشراء.'

 وتابع: 'كنت أشاهد الناس والتجار في سوق البرين، وكنا نلعب بالفخاخ، ونصطاد العصافير من الحقول. وما زلت أتذكر يوم اجتمع الأهالي، وقرروا قبل النكبة إرسال الشيخ محمد عواد، رئيس البلدية إلى مصر لشراء السلاح، بعد أن جمعوا المال، وقرروا تدريب 360 من الشبان على استخدامه.'

ويستذكر: 'في أحد أيام شهر نيسان، كان الجو ربيعيا، وكنا نلعب في المزارع، عندما أوقفتنا سيارة عسكرية للجيش المصري، فسألني الضابط: يا جدع وين المستعمرة، فأشرت له إلى مكانها، وصعد إلى خزان المياه في البلدة، لينظر بالدربيل (المنظار)، ثم ينزل بعد أيام قليلة بدأ الجيش يدخل البلدة، وطلب من الناس أن يحفروا خندقا حولها، وظلوا يقومون بهذا العمل لشهر، حتى أنهوه.'

 حظي عرجا بفرصة للاحتكاك بالجنود المصريين، وكان يبيت بينهم في منزل أسرته، وتعرف على الأسلحة، وشاهد مدفع 'أبو الستة رطل'، وراح يجر صناديق الرصاص معهم، وتعرف إلى الضابط القبطي وحيد، وشحاتة من المنصورة، وسعيد القادم من السويس.'

وقال: 'عشنا تحت الحصار والقصف ستة أشهر، وكانت البلد كلها ساحة معركة، وصد الجيش المصري العصابات الصهيونية مرات كثيرة، وشاهدت بعيني الشهداء والجرحى والطائرات، وكان يظن الجنود المصريون أن الطائرات الإسرائيلية التي تقصفهم هي مصرية.'

ويتذكر: 'طلعنا من البلد أنا وأمي وعمتي وإخواني، وظل أبي في البلد مع الجيش المصري، وروحنا على الدوايمة، وفقدنا عمتي في الطريق، قبل أن نعثر عليها. وعدت إلى الفالوجة لمساعدة العجوز فاطمة البعم، التي قالوا لها إن زوجها استشهد، فما أن دخلنا البلد حتى أصابتها قذيفة، وشاهدت كيف شطرت جسدها إلى نصفين، واحترق شعر رأسها، وجاء زوجها الذي تبحث عنه ليدفنها بنفسه.'

 استمر ترحال عرجا، ليتنقل بين الدوايمة، ويصل دورا ثم مدينة الخليل، فأريحا، ثم سوريا، فالأردن، وانتهاء بأريحا، حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية واعتقل لفترة، ثم ليستقر به المقام في مخيم الفارعة، بانتظار العودة التي نفذها بعد النكسة عدة مرات، فكان يفتش خلالها عن بيته، والمسجد حيث تلقى دروسه، وضريح وليها العراقي.'

 وقال مدير وزارة الثقافة في طوباس عبد السلام العابد، إن الندوة نجحت في نقل تفاصيل النكبة للأجيال الجديدة، وعبرت عن ألم الذاكرة وجرحها، وتناولت مظاهر الحياة الفلسطينية ورقيها.

 فيما تحدث منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف عن أهمية التاريخ الشفوي، في صياغة رواية فلسطينية، تتسابق مع الزمن، وتخشى من رحيل الشهود الذين عاصروا النكبة، وسجلوا وحشية الاقتلاع.

 وأشار إلى ندوة مماثلة، ستعقد بداية حزيران القادم، ستتناول النكسة وتفاصيلها، وتجمع شهادات من رجال ونساء، عاشوا مرارتها.

اعداد: دائرة شؤون اللاجئين/ منظمة التحرير الفلسطينية - 2011 

لا تتوفر نتائج حالياً