خطاب الرئيس ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1974

الخميس 20 سبتمبر 2018 09:41 م بتوقيت القدس المحتلة

خطاب ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 

13 تشرين ثاني  (نوفمبر)1974

سيدي الرئيس:

أشكر لكم دعوتكم منظمة التحرير الفلسطينية؛ لتشارك في هذه الدورة من دورات الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، وأشكر كل الأعضاء المحترمين في هيئة الأمم المتحدة، الذين أسهموا في تقرير إدراج قضية فلسطين على جدول أعمال هذه الجمعية، وفي إصدار قرار بدعوتنا لعرض قضية فلسطين.

إنها لمناسبة هامة، أن يعود بحث قضية فلسطين إلى هيئة الأمم المتحدة، وأننا نعتبر هذه الخطوة انتصاراً للمنظمة الدولية، كما هو انتصار لقضية شعبنا؛ ولأن ذلك يشكل مؤشراً جديداً على أن هيئة الأمم اليوم ليست هيئة الأمس؛ ذلك لأن عالم اليوم ليس هو عالم الأمس.

فقد أصبحت هيئة الأمم اليوم تمثل 138 دولة، وأصبحت تعكس بصورة نسبية أوضح، إرادة المجموعة الدولية، ومن ثم فقد أصبحت أكثر قدرة على تطبيق ميثاقها ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأكثر قدرة على نصرة قضايا العدل والسلام.

وهذا ما بدأ يلمسه شعبنا وتلمسه شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، الأمر الذي أخذ يعلي مكانة هذه المنظمة الدولية في عيون شعبنا وعيون بقية الشعوب، ويزيد من الآمال التي تعلقها شعوب العالم على مساهمة هيئة الأمم المتحدة، في نصرة قضايا السلم والعدل والحرية والاستقلال، وتشييد عالم خالٍ من الاستعمار والإمبريالية  والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها، بما فيها الصهيونية.

سيدي الرئيس:

إننا نعيش في عالم يطمح للسلام وللعدل وللمساواة وللحرية، يطمح إلى أن يرى الأمم المظلومة الرازحة تحت الاستعمار والاضطهاد العنصري وهي تمارس حريتها وحقها في تقرير المصير، يطمح إلى أن يرى العلاقات الدولية بين الدول كافة، تقوم على أساس المساواة والتعايش السلمي، وعدم التدخل في الشؤون  الداخلية، وتأمين السيادة الوطنية والاستقلال، على أساس العدل والتكافؤ والمنافع المتبادلة، يطمح لان تصب الجهود الإنسانية على مكافحة الفقر والمجاعة والأمراض والكوارث الطبيعية، وعلى تطوير القدرات الإنتاجية والعلمية والتقنية للبشرية، لزيادة الثروات وتضييق الفروق بين الدول النامية والدول المتطورة، ولكن ذلك كله يصطدم بواقع عالمي ما زال يسوده الاضطراب والظلم والاضطهاد العنصري والاستغلال، وما زال مهدداً بالكوارث الاقتصادية والحروب والأزمات.

وما زالت شعوب كثيرة منها زمبابوي وناميبيا وجنوب إفريقيا وفلسطين وغيرها ضحية للعدوان والقهر والبطش، وتشهد تلك المناطق من العالم صراعاً مسلحاً فرضته قوى الاستعمار والتمييز العنصري ظلماً وإرهاباً، فاضطرت الشعوب المضطهدة إلى التصدي له، وكان تصديها عادلاً ومشروعاً.

لا بد ياحضرة الرئيس من أن تساهم المجموعة الدولية في دعم هذه الشعوب ومساعدتها على انتصار قضاياها العادلة، ونيلها حقها في تقرير المصير.

وما زالت شعوب الهند الصينية تتعرض للعدوان، وتواجه المؤامرات؛ لمنعها من إحلال السلام على أرضها وتحقيق أهدافها، فإذا كانت شعوب العالم قد رحبت بالاتفاق في لاوس، وباتفاقية السلام في جنوبي فيتنام، إلا أن السلام في جنوب فيتنام ما زال بعيداً بعيداً عن أن يكون سلاماً حقيقياً، لأن القوى التي شنت العدوان تصر على بقاء فيتنام في الاضطراب والحرب، وكذلك ما زال الشعب الكمبودي البطل يواجه عدواناً عسكرياً.

 لا بد يا حضرة الرئيس من أن تساهم المجموعة الدولية في دعم هذه الشعوب وشجب المعتدين ومعكري السلام، وما زالت القضية الكورية بعيدة عن أن تحل حلاً عادلاً وسلمياً، رغم الموقف الايجابي السلمي الذي عبرت عنه المقترحات المقدمة من جمهورية كوريا الديمقراطية.

ولقد عشنا قبل شهور تفجر المشكلة القبرصية، وشاركنا في تحمل همومها مع شعوب العالم اجمع، ولا بد لهيئة الأمم المتحدة أن تتابع جهودها للتوصل إلى حل عادل للمشكلة، يجنب الشعب القبرصي أهوال الحرب ويحفظ استقلاله، ولا شك في أن المشكلة القبرصية تدخل في هذا الإطار من هموم بلدان الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. 

وما زالت دول في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تواجه اعتداءات ضارية على نضالها الذي يهدف إلى تغير النظام الاقتصادي العالمي الحالي، بنظام اقتصادي عالمي جديد أكثر معقولية ومنطقية، وقد عبرت هذه البلدان عن ذلك في مؤتمر "المواد الأولية والتنمية"، حيث لابد أن يوضع حد لعمليات النهب والاستغلال وامتصاص ثروات الشعوب الفقيرة، وعرقلة جهودها من أجل التنمية، والسيطرة على ثرواتها، ورفع الحيف عن أسعار موادها الأولية.

وكذلك، فإن هذه الدول ما زالت تواجه عراقيل أمام مطالبها العادلة المعبرة عنها في مؤتمر البحار في كراكاس، ومؤتمر السكان، ومؤتمر التغذية، ولابد للهيئة الدولية من أن تقف بحزم إلى جانب النضال من أجل إحداث تغيرات جذرية في النظام الاقتصادي العالمي؛ لأن ذلك وحده يتيح للشعوب المتخلفة إمكانية التقدم بسرعة، ولابد لهذه الهيئة من أن تقف بحزم ضد القوى التي تحاول تحميل مسؤولية  التضخم المالي على كاهل البلدان النامية، وخاصة البلدان المنتجة للبترول، وأن تشجب التهديدات التي تتعرض لها هذه البلدان بسبب مطالبها العادلة.

سيدي الرئيس:

ما زال السباق على التسلح على أشده في العالم، الأمر الذي يهدد العالم بضياع ثروته وتبديد جهوده على هذا السباق، فضلاً عن إبقائه في خطر إنفجارات مسلحة خطيرة، إن الحد من السباق على التسلح، وصولاً إلى تدمير الأسلحة النووية وتخصيص ما يصرف من مبالغ طائلة على مجالات التقنيات العسكرية في ميدان تقدم العلوم وزيادة الإنتاج وتحقيق الرفاه للعالم، وهذا ما تتوقع الشعوب على أن تعمل هيئتكم( هيئة  الأمم المتحدة) باتجاهه. 

سيدي الرئيس:

ما زال الاضطراب على أشده في منطقتنا، فالكيان الصهيوني مثبت بالأراضي العربية التي احتلها، ويتابع عدوانه علينا، بجانب استعداداته العسكرية المحمومة بشن حرب عدوانية جديدة ستكون الخامسة في سلسلة حروبه العدوانية، ولنا أن نتحسب مع ما يصدر من إشارات عنه من أن تكون حرباً نووية تحمل الفناء والدمار.

سيدي الرئيس:

إن العالم بحاجة إلى أقصى الجهود من أجل تحقيق مطامحه في السلم والحرية والعدل والمساواة والتنمية وفي مكافحة الاستعمار والامبريالية، والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها بما فيها الصهيونية، لأن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق آمال الشعوب كافة، بما في ذلك شعوب الدول التي تعارض هذا الطريق، أنه طريق لتكريس مبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أما بقاء الوضع الحالي، فلن يفعل أكثر من أن يبقى العالم معرضاً لأخطر الصراعات المسلحة، للكوارث الاقتصادية والإنسانية والطبيعية.
 
سيدي الرئيس:

رغم هذا الوضع المتأزم الذي يسود العالم، ورغم ما في عالمنا من قوى ظلام وتأخر، فإن عالمنا اليوم يعيش أياماً مجيدة، أنه يشهد انهيار العالم القديم، عالم الاستعمار والامبريالية، والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة أشكالها وأبرزها الصهيونية، ويشهد الاتجاه التاريخي العظيم لشعوب العالم نحو انبثاق عالم جديد تنتصر فيه القضايا العادلة، وأننا واثقون من انتصار هذه القضايا.

سيدي الرئيس:

إن قضية فلسطين تدخل كجزء هام بين القضايا العادلة التي تناضل في سبيلها الشعوب التي تعاني الاستعمار الاضطهاد، وإذا كانت الفرصة قد أُتيحت لي أن أعرضها أمامكم، فإنني لن أنسى أن مثل هذه الفرصة يجب أن تتاح لجميع حركات التحرر المناضلة ضد العنصرية والاستعمار؛ ولهذا، فإنني باسم هؤلاء المناضلين من أجل الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، أدعوكم أن تعيروا قضاياهم- كما قضيتنا، من همومكم واهتمامكم- الأولوية ذاتها مما يشكل مرتكزاً أساسياً لحماية السلم في العالم، وتكريس عالم جديد تعيش الشعوب في ظلاله بعيداً عن الاضطهاد والظلم والخوف والاستغلال، ولهذا، فإنني سأعرض قضيتنا ضمن هذا الإطار وفي سبيل هذا الهدف.

وإننا حين نتكلم من على هذا المنبر الدولي، فإن ذلك تعبير في حد ذاته عن إيماننا بالنضال السياسي والدبلوماسي، مكملاً معززاً لنضالنا المسلح، وتعبير عن تقديرنا للدور الذي يمكن للأُمم المتحدة أن تقوم به في حل المشكلات العالمية، بعد أن تغيرت بنيتها في صالح أماني وآمال الشعوب، وفي حل مشكلتنا التي تتحمل فيها المؤسسة الدولية مسئولية خاصة.

إن شعبنا يتكلم وهو يتطلع إلى المستقبل أكثر مما هو مقيد بمآسي الماضي وأغلال الحاضر، وإذا كنا- ونحن نتحدث عن الحاضر- نعود إلى الماضي؛ فلأننا نريد أن نوضح بداية الطريق الذي نشقه إلى المستقبل المشرق مع كل شعوب العالم وحركات التحرير. وإذا كنا نعود إلى جذور قضيتنا؛ فلأنه ما زال بين الحاضرين هنا من يحتل بيوتنا، ويرتع في حقولنا ويقطف ثمار أشجارنا ويدعي أننا أشباح لا وجود لها، ولا تراث ولا مستقبل، وإن هنالك من كان يتصور- وإلى وقت قريب، وربما حتى الآن- أن مشكلتنا هي مشكلة لاجئين، أو أن مشكلة الشرق الأوسط هي مشكلة خلاف على حدود بين الدول العربية وبين الكيان الصهيوني، أو يتصور أن شعبنا يدعي حقوقاً ليست له، ويقاتل دونما سبب معقول ومشروع، إلا الرغبة في تعكير السلام وإرهاب الآخرين،  ولأن هناك بينكم وأعني الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من يموِّن عدونا بطائراته وقنابله وكل أدوات الفتك والتدمير، ويقف منا موقف العداء، ويعمد إلى تشويه حقيقة المشكلة، كل ذلك على حساب الشعب الأمريكي، وعلى حساب رفاهيته، وعلى حساب الصداقة التي نتطلع إليها مع هذا الشعب العظيم، الذي نكن له ولتجاربه في النضال من أجل حريته ووحدة أرضه كل تقدير وكل اعتزاز.

وأنني لانتهز هذه المناسبة لأتوجه إلى الشعب الأمريكي وأُخاطبه من مكاني هنا أن يقف مع شعبنا الشجاع المناضل، أن يقف مع الحق والعدالة، أن يتذكر بطله جورج واشنطن الذي ناضل لاستقلال أمريكا وحريتها، ويتذكر أبراهام لنكولن الذي وقف مع المحرومين والمعذبين، ويتذكر وصايا ويلسون الأربع عشرة والتي يتبناها شعبنا؛ إيماناً بهذه المبادئ الإنسانية العظيمة.

وأتوجه إلى الشعب الأمريكي وأتساءل هل هذه التظاهرات المعادية التي تنطلق في الخارج هي وجهه الحقيقي، وما هي الجريمة التي ارتكبها شعبنا ضد الشعب الأمريكي؟  لماذا هذا الوجه المعادي؟ هل هو لصالح أمريكا؟ هل هو لصالح الجماهير الأمريكية؟ حتماً لا،  وأرجو مخلصاً أن يتذكر الشعب الأمريكي أن صداقته مع  أُمتنا العربية هي أهم وهي أبقى وهي أنفع، أرجو ذلك.

سيدي الرئيس:

 إن شرحنا لجذور قضيتنا نابع من إيماننا، بأن العودة إلى أُصول القضايا التي تشغل العالم أمر ضروري عند تلمس الحلول لها، وهذا منهج نطرحه على السياسة الدولية لتأخذ به بعد أن عانت الكثير وعانت الشعوب معها من محاولة تجاهل الأصول والقفز عليها أو إنكارها؛ رضوخاً واستسلاماً للأمر الواقع.

ترجع جذور المشكلة الفلسطينية إلى أواخر القرن التاسع عشر، أو بكلمات أُخرى إلى ذلك العهد الذي كان يسمى عصر الاستعمار والاستيطان وبداية الانتقال إلى عصر الإمبريالية، حيث بدأ التخطيط الصهيوني- الاستعماري لغزو أرض فلسطين بمهاجرين من يهود أوُروبا، كما كان الحال بالنسبة للغزو الاستيطاني لإفريقيا، في تلك الحقبة، التي توطدت فيها سطوة عتاة الاستعمار القادمين من  الغرب إلى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؛ للاستيطان، وإقامة المستعمرات، وممارسة أشد أشكال الاستغلال والاضطهاد والنهب لشعوب القارات الثلاث، إنها الحقبة التي ما زلنا نشهد آثارها العنصرية البشعة في الجنوب الإفريقي وكذلك في فلسطين.

وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون أفكار "التمدن والتحضر" لتبرير الغزو والنهب والعدوان في إفريقيا وغيرها، كذلك استخدمت هذه الذرائع لغزو فلسطين بموجات المهاجرين الصهاينة، وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون الدين واللون والعرق واللغة؛ لتمرير عملية استغلال الشعوب، وإخضاعها بالتمييز والتفرقة والإرهاب في إفريقيا، كذلك استخدمت هذه الأساليب لاغتصاب الوطن الفلسطيني، واضطهاد شعبه، ومن ثم تشريده، وكما استخدم الاستعمار وقتئذ المحرومين والفقراء والمستغلين كوقود لنارعدوانه ومرتكزات الاستيطان، كذلك استخدم الاستعمار العالمي والقادة الصهاينة اليهود، المحرومين والمضطهدين في أُوروبا كوقود للعدوان، ومرتكزات للاستيطان والتمييز العنصري. إن الإيديولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا لاستيطان فلسطين بالغزاة الوافدين من الغرب، استخدمت في الوقت ذاته لاقتلاع اليهود من جذورهم في أوطانهم المختلفة ولتغريبهم عن الأمم.

إنها أيديولوجيا استعمارية استيطانية؛ عنصرية تمييزية رجعية، تلتقي مع اللاسامية في منطلقاتها، بل هي الوجه الآخر للعملة نفسها؛ فعندما نقول أن تابعي دين معين هو اليهود، أياً كان وطنهم، لا ينتسبون إلى ذلك الوطن، ولا يمكن أن يعيشوا كمواطنين متساوين مع بقية المواطنين من الطوائف الأخرى- فإن ذلك التقاء مباشر مع دعاة اللاسامية، وعندما يقولون أن الحل الوحيد لمشكلتهم هو أن ينفصلوا عن الأمم والمجتمعات التي هم جزء منها عبر تاريخ طويل، ثم يهاجرون ليستوطنوا أرض شعب آخر ويحلوا محله بالقوة والإرهاب، يأخذون من غيرهم الموقف نفسه الذي أخذه دعاة اللاسامية منهم.

ومن هنا نلاحظ مثلاً العلاقة الوثقى بين ردوس وهو يبسط استعماره الاستيطاني في جنوب شرقي القارة الإفريقية، وبين هرتزل الذي راح يخطط ويصمم لاستعماره الاستيطاني على أرض فلسطين.

وعندما حصل هرتزل على شهادة حسن سلوك استعماري استيطاني من رودس، قدمها للحكومة البريطانية ليستصدر منها قرار التأييد والدعم، مقابل أن يبني على أرض فلسطين قاعدة للاستعمار، تؤمن مصالحه في أهم النقاط الإستراتيجية في الشرق الأوسط.

وهكذا باشرت الحركة الصهيونية متحالفة مع الاستعمار العالمي غزوتها لبلادنا.

 واسمحوا لي أن أوجز بعض الحقائق التالية حولها:

- كان عدد سكان فلسطين عند بداية الغزو عام 1881، وقبل قدوم أول موجة استيطان حوالي نصف مليون نسمة، كلهم من العرب، مسلمين ومسيحيين ومنهم حوالي عشرون ألفاً من يهود فلسطين، يعيشون جميعاً في كنف التسامح الديني الذي اشتهرت به حضارتنا.

- وكانت فلسطين أرضاً خضراء معمورة بشعبها العربي الذي يبني الحياة في وطنه ويغني ثقافته.

- وعمدت الحركة الصهيونية إلى تهجير حوالي خمسين ألف يهودي أوروبي بين عامي 1882 و1917، لاجئة إلى شتى أساليب الاحتيال لتغرسهم في أرضنا، ونجحت في الحصول على تصريح بلفور من بريطانيا، فجسد التصريح حقيقة التحالف الصهيوني الاستعماري، وعبر هذا التصريح عن مدى ظلم الاستعمار للشعوب، حيث أعطت بريطانيا وهي لا تملك وعداً للحركة الصهيونية وهي لا تستحق، وخذلت عصبة الأمم بتركيبها القديم شعبنا العربي، وتبخرت وعود ومبادئ ويلسون في الهواء، وفرضت علينا قسراً الاستعمار البريطاني بصورة الانتداب، وتعهد صك الانتداب الذي أصدرته عصبة الأمم المتحدة صراحة، بالتمكين للغزوة الصهيونية من أرضنا.

- وعلى مدى ثلاثين عاماً بعد صدور تصريح بلفور، نجحت الحركة الصهيونية مع حليفها الاستعماري، في تهجير مزيد من يهود أوروبا واغتصاب أراضي عرب فلسطين، وهكذا أصبح عدد اليهود في فلسطين عام 1947 حوالي ستمائة ألف يملكون أقل من 6% من أراضي فلسطين الخصبة، بينما كان تعداد عرب فلسطين حوالي مليون وربع المليون نسمة.

- وبفعل تواطؤ الدولة المنتدبة مع الحركة الصهيونية، ودعم الولايات المتحدة لهما، صدر عن هذه الجمعية وهي في بداية عهدها التوصية بتقسيم وطننا فلسطين في 29 نوفمبر 1947 وسط تحركات مريبة وضغوط شديدة؛ فقسمت ما لا يجوز لها أن تقسم: أرض الوطن الواحد، وحين رفضنا ذلك القرار؛ فلأننا مثل أم الطفل الحقيقية التي رفضت أن يقسم سليمان طفلها حين نازعتها عليه امرأة أخرى، ومع ذلك فقد منح قرار التقسيم المستوطنين الاستعماريين 54% من أرض فلسطين، وكأن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة إليهم؛ فشنوا حرباً إرهابية  ضد السكان المدنيين العرب واحتلوا 81% من مجموع مساحة فلسطين، وشردوا مليون عربي، مغتصبين بذلك 524 قرية ومدينة عربية، ودمروا منها 385 مدينة وقرية تدميراً كاملاً محاها من الوجود، وحيث فعلوا ذلك أقاموا مستوطناتهم ومستعمراتهم فوق الأنقاض وبين بساتيننا وحقولنا.

ومن هنا يبدأ جذر المشكلة الفلسطينية، أن هذا يعني أن أساس المشكلة ليس خلافاً دينياً أو قومياً بين دينين أو قوميتين؛ وليس نزاعاً على حدود بين دول متجاورة. إنه قضية شعب اغتصب وطنه وشرد من أرضه لتعيش أغلبيته في المنافي والخيام.

وقد استطاع هذا الكيان الصهيوني وبدعم من دول الاستعمار والامبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أن يتحايل على هيئة الأمم لقبوله في عضويتها، ومن ثم على شطب قضية فلسطين من جدول أعمالها، وتضليل الرأي العام العالمي بتصوير المشكلة كمشكلة لاجئين بحاجة إلى عطف المحسنين أو إعادة توطينهم في بلاد الآخرين.

على أن هذه الدولة العنصرية التي قامت على أساس الاستعمار الاستيطاني، لم تكتف بكل ذلك، حيث جعلت من نفسها قاعدة للإمبريالية، وراحت تتحول إلى ترسانة من الأسلحة؛ لإكمال مهمتها في إخضاع الشعوب العربية، والعدوان عليها طمعاً في المزيد من التوسع على الأرض الفلسطينية والأراضي العربية، فإلى جانب عشرات الاعتداءات التي شنتها هذه الدولة ضد البلاد العربية، قامت بحربين توسعيتين كبيرتين عام 1956 وعام 1967، عرضت خلالهما السلم العالمي لخطر حقيقي، فقد كان من نتائج العدوان الصهيوني في حزيران 1967 أن احتل العدو سيناء المصرية حتى مشارف السويس، واحتل الجولان السورية، فضلاً عن احتلاله للأرض الفلسطينية حتى نهر الأردن؛ الأمر الذي شكل وضعاً جديداً في منطقتنا، وخلق ما يسمى بمشكلة الشرق الأوسط.

 ومما جعل الوضع يتفاقم أكثر، إصرار العدو على استمرار الاحتلال وتكريسه، مشكلاً رأس حربه للاستعمار العالمي ضد أمتنا العربية، وقد ضرب عرض الحائط بكل قرارات مجلس الأمن ونداءات الرأي العام العالمي للانسحاب من الأراضي التي احتلها بعد حزيران، ولم تجدِ كل المساعي السلمية والدبلوماسية لردعه عن هذه السياسة التوسعية، فما كان أمام أمتنا العربية وفي مقدمتها دولتا مصر وسوريا إلا أن تبذل الجهود المضنية في الاستعداد العسكري من أجل الصمود أولاً في وجه هذه الغزوة الهمجية المسلحة بالقوة، وثانياً من أجل تحرير تلك الأراضي واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، بعد استنفاذ كل الوسائل السلمية، وضمن هذا الإطار اندلعت الحرب الرابعة، حرب تشرين لتؤكد للعدو الصهيوني عقم سياسته الاحتلالية التوسعية واعتماده على شريعة القوة العسكرية، ولكن رغم ذلك، فإن قادة الكيان الصهيوني ما زالوا بعيدين عن الاتعاظ بهذه الدروس، فهم يعدون العدة للحرب الخامسة، ليعودوا من جديد إلى سياسية مخاطبة العرب بلغة التفوق العسكري، سياسة العدوان والإرهاب والإخضاع للحرب.

سيدي الرئيس:

لشد ما يتألم شعبنا حين يسمع تلك الدعايات التي تقول أن أراضيه كانت صحراء فعمرها المستوطنون الأجانب، وأن وطنه كان خالياً من السكان، وأنه لم يتضرر أحد من بني البشر نتيجة قيام هذا الكيان الاستيطاني، لا يا سيدي الرئيس يجب أن تدحض هذه الأكاذيب من على هذا المنبر العالمي، ويجب أن يعرف الجميع أن فلسطين كانت مهداً لأقدم الحضارات والثقافات، استمر شعبها العربي ينشر الخضرة والبناء والحضارة والثقافة في ربوعها طوال آلاف السنين، ويرفع لواء التسامح العربي ضارباً المثل في حرية العقيدة، وحارساً أميناً على مقدسات جميع الأديان في وطنه.

وأنني كأحد أبناء بيت المقدس احتفظ لنفسي ولشعبي بذكريات جميلة، وصور رائعة، عن مظاهر التآخي الديني التي كانت تتألف في مدينتنا المقدسة قبل حلول النكبة بها، ولم ينقطع شعبنا عن ذلك إلا بعد تمكن الغزوة الصهيونية الهمجية من إقامة دولة إسرائيل وتشريده، ولكنه مازال مصمماً على الاستمرار في أداء دوره الحضاري والإنساني على أرض فلسطين، ولا يسمح بأن تتحول هذه الأراضي إلى بؤر للعدوان على الشعوب، وإلى معسكر عنصري ضد الحضارة والثقافة والتقدم والسلام، ولهذا، فإن شعبنا لا يستطيع إلا أن يواصل تراث أجداده في الكفاح ضد الغزاة، وأن يحمل شرف المسؤولية في الدفاع عن وطنه، وعن أمته العربية، وعن الثقافة والحضارة ومهد الديانات السماوية، وتكفينا نظرة سريعة لمواقف إسرائيل العنصرية عندما دعمت منظمة الجيش السرية في الجزائر، وفي دعمها للمستعمرين في إفريقيا، سواء في الكونغو وانغولا وموزمبيق وزمبابوي وروديسيا وجنوب أفريقا، وفي وقوفها إلى جانب حكومة فيتنام ضد الثورة الفيتنامية، فضلاً عن مواقفها المتتابعة في هذا السياق إلى جانب الاستعماريين والعنصريين في كل مكان، وعرقلتها لعمل لجنة تصفية الاستعمار، ورفضها التصويت لمصلحة استقلال بلدان إفريقيا ووقوفها ضد مطالب بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وبلدان عديدة أخرى في مؤتمرات "المواد الأولية والتنمية" و"قانون البحار" و"السكان" و"التغذية"؛ كل ذلك يعطي دليلاً إضافياً على صورة العدو الذي اغتصب بلادنا، ويكشف عن شرف النضال الذي نخوضه ضده، أننا ندافع عن حلم المستقبل، وهو يدافع عن أساطير الماضي.

سيدي الرئيس:

إن لهذا العدو الذي نواجهه سجلاً حافلاً ضد اليهود أنفسهم، فهناك في داخل الكيان الصهيوني تمييز عنصري بشع ضد اليهود الشرقيين، وإذا كنا ندين بكل ما أوتينا من قوة مذابح اليهود تحت الحكم النازي، فإن القادة الصهاينة كانوا يبدو أن همهم الأكبر حينذاك هو استغلال هذا الموضوع  لتحقيق الهجرة إلى فلسطين.

سيدي الرئيس:

لو كان تهجيرهم إلى فلسطين بهدف العيش كمواطنين متساوين معنا بالحقوق والواجبات لكنا أفسحنا لهم المجال ضمن إمكانات وضعنا، كما حدث مع عشرات الآلاف من الأرمن والشركس الذين ما زالوا بيننا أخوة مواطنين مثلنا تماماً، أما أن يكون هدف ذلك اغتصاب أراضينا وتشريدنا وتحويلنا إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وإنزال المعاملة نفسها بنا؛ فهذا ما لا يمكن أن ينصحنا به أحد أو نذعن له، ولهذا؛ فإن ثورتنا منذ البداية لا تقوم على أسس عرقية أو دينية عنصرية، وليست موجهة ضد الإنسان اليهودي من حيث كونه إنساناً، وإنما هي موجهة ضد العنصرية الصهيونية وضد العدوان، وبهذا المعنى، فإن ثورتنا هي أيضاً من أجل الإنسان اليهودي، إننا نناضل من أجل أن يعيش اليهود والمسيحيون والمسلمون بمساواة في الحقوق والواجبات، وبلا تمييز عنصري أو ديني.

إننا إذن يا سيادة الرئيس، نفرق بين اليهودية وبين الصهيونية، وفي الوقت الذي نعادي الحركة الصهيونية الاستعمارية، فإننا نحترم الدين اليهودي، لأنه جزء من تراثنا، وإننا نحذر اليوم وبعد قرابة قرن من بروز هذه الحركة العنصرية، أن خطرها يتزايد ضد اليهود في العالم، وضد شعبنا العربي، وضد أمن العالم وسلامته، فالصهيونية لا تزال متمسكة بتهجير اليهود من أوطانهم، واصطناع  قوميه عنصرية عدوانية لهم يستبدلون بها قومياتهم الأصلية، إن الصهيونية تتابع نشاطها التخريبي هذا على الرغم من ظهور فشل الحل الذي قدمته، وإن ظاهرة النزوح من هذا التجمع الإسرائيلي المستمر منذ قيامه والى الآن والتي ستقوى مع سقوط قلاع الاستعمار الاستيطاني العنصري في العالم لدليل أكيد على هذا الفشل.

إننا ندعو جميع الشعوب والحكومات لمجابهة مخططات الصهيونية الرامية إلى تهجير مزيد من يهود العالم من أوطانهم، ليغتصبوا وطننا، وندعوهم في الوقت نفسه لنكمل سوياً للوقوف في وجه أي اضطهاد للإنسان بسبب دينه أو جنسه أو لونه.

وإنني أتساءل يا سيادة الرئيس، لماذا يدفع شعبنا الفلسطيني الثمن؟ لماذا يتحمل شعبنا ووطننا مسؤولية مشكلة الهجرة اليهودية؟ إذا كانت لا زالت مثل هذه المشكلة باقية في مخيلة البعض. وأتساءل لماذا لا يتحمل المتحمسون لهذه المشكلة- إن وجدت المسؤولية- فيفتحوا بلادهم الكبيرة الرقعة، والقادرة لاستيعاب هؤلاء المهاجرين ومساعدتهم؟لماذا؟.

سيدي الرئيس:

 إن الذين ينعتون ثورتنا بالإرهاب، إنما يفعلون ذلك لكي يضللوا الرأي العام العالمي عن رؤية الحقائق، وعن روية وجهنا الذي يمثل جانب العدل والدفاع عن النفس، ووجههم الذي يمثل جانب الظلم والإرهاب والقهر.

إن الجانب الذي يقف فيه حامل السلاح هو الذي يميز بين الثائر والإرهابي، فمن يقف في جانب قضية عادلة ومن يقاتل من أجل حرية وطنه واستقلاله ضد الغزو والاحتلال والاستعمار، لا يمكن بأي حال أن تنطبق عليه صفة الإرهابي، وإلا اعتبر الشعب الأمريكي حين حمل السلاح ضد الاستعمار البريطاني إرهابياً، واعتبرت المقاومة الأوروبية ضد النازية إرهاباً، واعتبر نضال الشعوب في آسيا وإفريقيا وأمريكيا اللاتينية إرهاباً، واعتبر الكثيرون منكم في هذه القاعة إرهابيين،  لا يا سيدي الرئيس إن هذا هو الكفاح العادل والمشروع والذي يكرسه ميثاق هيئتكم هيئة الأمم، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ أما الذي يحمل السلاح ضد القضايا العادلة الذي يشن الحرب لاحتلال أوطان الآخرين ونهبهم واستغلالها واستعمارهم، فذلك هو الإرهابي الحقيقي، وأعماله هي التي يجب أن تدان، وينسحب عليه لقب مجرم حرب، ذلك أن عدالة القضية هي التي تقرر عدالة السلاح.

سيدي الرئيس:

إن الإرهاب الصهيوني الذي ارتكب بحق الشعب الفلسطيني لإجلائه عن وطنه واقتلاعه من أرضه مدون لديكم في وثائق رسمية، وزعت في الأمم المتحدة، ولقد ذبح الآلاف من أبناء شعبنا في قراهم ومدنهم، وأجبر عشرات الألوف تحت نار البندقية وقصف المدافع  والطائرات أن يتركوا بيوتهم وما زرعوا في أرض أجدادهم، وكم من مسيرة أجبر فيها أبناء من شعبنا نساء وأطفالاً وشيوخاً على الخروج من دون زاد أو ماء، وأرغموا على تسلق الجبال، والتيه في الصحراء.
 
إن الكوارث التي حلت عام 1948 بأهالي المئات من القرى والمدن في السهل والجبل، في القدس في يافا في اللد في الرملة في الجليل لا ولن ننساها، لن ينساها من عانى أهوالها لحظة بلحظة، رغماً عن التعتيم الإعلامي العالمي، الذي نجح في إخفاء هذه الأهوال، كما أخفى أثر 385 قرية ومدينة فلسطينية دمرت في حينه، وأزيلت من الوجود، كما أن نسف 19 ألف منزل على مدى السنوات السبع الأخيرة( أي ما يساوي تدمير مائتي قرية فلسطينية أخرى تدميراً كاملاً) والأعداد الضخمة من مشوهي الإرهاب والتعذيب ومن في السجون، لا يمكن أن يطمسه التعتيم الإعلامي. لقد وصل إرهابهم إلى الحقد حتى على شجرة الزيتون، حتى على شجرة البرتقال، على شجرة البرتقال والزيتون في بلادي، والتي اعتبروها علماً شامخاً يذكرهم بسكان البلاد الأصليين، يصرخ أن الأرض فلسطينية؛ فراحوا يعملون على اقتلاعها، أو قتلها بالإهمال والتحطيب، ماذا يمكن يا سيادة الرئيس أن يسمى تصريح غولدا مائير عندما عبرت عن "قلقها من عدد الأطفال الفلسطينيين الذين يولدون كل صباح"، أنهم يرون في الطفل الفلسطيني والشجرة الفلسطينية، عدواً يجب التخلص منه.

 يا سيادة الرئيس طيلة عشرات السنين وهم يتعقبون قيادات شعبنا الثقافية والسياسية والاجتماعية والفنية، بالإرهاب والقتل والاغتيال أو التشريد، لقد سرقوا تراثنا الحضاري ،وفولكلورنا الشعبي، وادعوه لهم، ومدوا إرهابهم إلى مقدساتنا في مدينة السلام( القدس الحبيبة) وعمدوا إلى افقادها طابعها العربي المسيحي الإسلامي من خلال تهجير سكانها وضمها لدولتهم، ولا حاجة لأن نسترسل في ذكر المسجد الأقصى، وسرقة ثروات كنيسة القيامة، والتشويه الذي لحق بعمرانها وطابعها التاريخي، فالقدس بروعتها، وبالعبق التاريخي المسيطر عليها، تشهد لأجيالنا المتعاقبة التي مرت عليها تاركة في كل ركن من أركانها أثراً خالداً وبصمة حنونة ولمسة حضارية ونبضة إنسانية.
وليس غريباً أن تتعانق في سمائها الرسالات السماوية الثلاث، وتتهادى في ركبها وآفاقها، تنير للبشرية طريق جلجلتها وهي تحمل أشواكها وآلامها؛ لترسم مستقبلها بكل ما فيه من آمال وأماني ومعطيات.

سيدي الرئيس:

إن العدد القليل من العرب الفلسطينيين الذين لم يستطع العدو تهجيرهم من أرضهم عام 1948 هم الآن لاجئون على أرضهم، وقد عوملوا في القانون الإسرائيلي كمواطنين من الدرجة الثانية، بل الثالثة باعتبار أن اليهود الشرقيين هم مواطنو الدرجة الثانية، ومورست ضدهم كل أشكال التمييز العنصري والإرهاب، وصودرت أراضيهم وممتلكاتهم، وتعرضوا لمذابح  دامية، كما حدث في قرية كفر قاسم، وهجروا من قراهم، وحرموا من العودة لها، كما حدث لأهالي قريتي كفر برعم وأقرت وغيرها، كما أهلنا عاشوا هناك 26 عاماً تحت الحكم العسكري العرفي لا يحق لهم الانتقال من مكان إلى مكان دون إذن مسبق من الحاكم العسكري، تصور يا سيادة الرئيس في الوقت الذي يسن فيه المشرع الإسرائيلي قانوناً آخر، يعتبر ويعطي حقاً تلقائياً بالمواطنة لأي يهودي يهاجر إلى أرضنا فور أن يطأها، يسن قانوناً آخر يعتبر الفلسطينيين الذين بقوا في فلسطين ولم يكونوا في قراهم أو مدنهم ساعة احتلالها، محرومين من المواطنة.

سيدي الرئيس:

إن سجل حكام إسرائيل الحافل بجرائم الإرهاب، يمتد ليشمل عدداً من أبناء أمتنا العربية الذين بقوا تحت الاحتلال في سيناء أو الجولان، كما أن ذكرى جريمة قصف مدرسة بحر البقر، ومصنع أبو زعبل في مصر، وتدمير الطائرة الليبية المدنية، ما زالت ماثلة للأذهان، وأما تدمير مدينة القنيطرة السورية، فما زال شاهداً لكل من يريد أن يرى ما يفعله الإرهاب في بلادنا، وإذا فتح سجل الإرهاب الصهيوني على جنوبي لبنان، وهو الإرهاب الذي ما زال مستمراً حتى الآن، فسوف تقشعر الأبدان من هول ما يرتكب من أعمال القرصنة والقصف والعدوان، بما في ذلك تهجير المدنيين، وتدمير بيوتهم، وخطفهم، وحرق مزارعهم، إلى جانب الاعتداءات المستمرة على سيادة الدولة اللبنانية، والإعداد لسرقة مياه نهر الليطاني. ولنذكر في هذا المجال القرارات العديدة التي صدرت عن هذه المنظمة وفيما يتعلق بضم القدس وتغيير طابعها السابق من الاحتلال وإدانتها لمخالفات متعددة لبنود اتفاقيات جنيف في حالة الحرب.

سيدي الرئيس:

إن التأمل بكل هذه الأعمال لا يمكن أن يطلق عليه من وصف غير وصف الإرهاب الهمجي، ومع ذلك يتجرأ هؤلاء الإرهابيون الغزاة العنصريون على تسمية نضالات شعبنا العادلة بالأعمال الإرهابية.

هل يوجد ثمة تجرؤ على الباطل والتزييف أشد من هذا؟ وأننا نقول أن على أولئك الذين اغتصبوا أرضنا وارتكبوا من جرائم الإرهاب والتمييز العنصري، أكثر مما فعل ويفعل العنصريون في جنوبي إفريقيا، أن يتذكروا قرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة الذي أعلن طرد جنوبي إفريقيا من عضويتها؛ لأن ذلك هو المصير المحتوم لكل الدول العنصرية التي تطبق شريعة الغاب وتغتصب وطن الآخرين وتضطهدهم.

سيدي الرئيس:

لقد قاوم شعبنا الفلسطيني خلال ثلاثين عاماً تحت الاحتلال البريطاني، والغزو الصهيوني، كل محاولات انتزاع أرضه، وناضل في ثورات، وفي عشرات الانتفاضات الشعبية؛ من أجل إحباط المؤامرة؛ ليبقى على أرضه وفوق تراب وطنه، قدم في سبيل ذلك ولغاية 1948 ثلاثين ألف شهيد "أي ما يوازي 6 ملايين أمريكي بالنسبة لعدد سكان اليوم".

وعندما اقتلعت غالبيته من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1948، ظل يقاوم في ظروف صعبة محاولات إفنائه، وحاول شعبنا بكل الطرق استمرار نضاله السياسي من أجل حقوقه، دون جدوى، وناضل للحفاظ على وجوده؛ فتعلم أبناؤه في النزوح والشتات وكدحوا تحت أصعب الظروف؛ ليستطيعوا الاستمرار، وأصبح لدى الشعب الفلسطيني آلاف الأطباء والمهندسين والأساتذة والعلماء، توجهوا بعملهم وإمكانياتهم للأقطار العربية المحيطة بوطنهم المغتصب،  فساهموا في البناء والتعمير والتطوير، وحصلوا على دخل استخدموه لمساعدة شعبهم وأقربائهم الفقراء الصغار، والعجائز الذين استحال عليهم مغادرة مخيمات النزوح، علم الأخ أخاه، وحافظ على والديه، وربى أولاده؛ ولكنه ظل يحلم في قلب ذاته بالعودة إلى فلسطين، ظل فلسطينياً متمسكاً بوطنه، لا يهتز ولاؤه لها ولا تهون عزيمته ولا يفتر حماسه، لم يغره شيء للتخلي عن فلسطينيته ووطنه فلسطين، لا ولم ينسه الزمن إياها كما توقع الكثيرون.

وعندما خابت آمال شعبنا بالأسرة الدولية، التي نسيته وتغافلت عن حقوقه، وثبت لشعبنا عجز النضال السياسي وحده عن استعادة شبر أرض من وطنه، لجأ شعبنا إلى الثورة، وأعطاها كل إمكانياته المادية والبشرية وخيرة شبابه، وواجه شعبنا ببسالة إرهاباً إسرائيلياً لا يتخيله بشر ليثنيه عن طريق النضال.

لقد قدم شعبنا في السنوات العشر الأخيرة من نضاله آلاف الشهداء، وأضعافهم من الجرحى والمشوهين والأسرى والمعتقلين؛ من أجل أن لا يفنى أو يذوب؛ ومن أجل انتزاع حقه في تقرير مصيره على وطنه، وفي عودته إلى هذا الوطن.

وتعيش جماهير شعبنا الآن تحت الاحتلال الصهيوني، تقاوم بكل الكبرياء المتأصلة فيها، بكل الشموخ الثوري الملازم لها، سواء من زج بهم في السجون والمعتقلات، أو من يعيش داخل السجن الكبير في قفص الاحتلال، يقاومون من أجل البقاء ومن أجل الوجود، يناضلون من أجل أن تبقى الأرض عربية، ويكافحون الطغيان والظلم والإرهاب بشتى صوره المأساوية الخطيرة.

ومن خلال ثورة شعبنا المسلحة، تبلورت قياداته السياسية وترسخت مؤسساته الوطنية، وبنيت حركته التحريرية الوطنية التي تضم كل فصائله وتنظيماته وقدراته والتي جسدتها منظمة التحرير الفلسطينية.

ومن خلال حركة التحرر الوطنية الفلسطينية المناضلة، نضج نضال شعبنا وتعددت أساليبه، فشمل النضال السياسي والاجتماعي، بالإضافة للنضال المسلح، واندفعت منظمتنا تساهم في بناء الإنسان المؤهل لمستقبل الفلسطيني، وليس فقط لتعبئته لمواجهة تحديات الحاضر.

وتعتز منظمة التحرير الفلسطينية بأنها وهي تخوض المعارك المسلحة وتواجه قساوة الإرهاب الصهيوني، قامت بمآثر عديدة حضارية وثقافية؛ فشكلت مؤسسات البحث العلمي، والتطوير الزراعي، والرعاية الصحية، وإحياء التراث الحضاري لشعبنا، وتطوير الفولكلور الشعبي، وخرَّجت من بين صفوفها عدداً من الشعراء والفنانين والكتاب الذين يسهمون في تطوير الثقافة العربية، وربما امتد ذلك إلى الثقافة العالمية، وكان المحتوى لكل ذلك يحمل طابعاً إنسانياً عميقاً، أثار إعجاب كل الأصدقاء الذين أطَّلعوا عليه، وكنا بذلك، النقيض لعدونا، الذي قام على هدم الحضارة والثقافة بترويج الأفكار العنصرية والاستعمارية وكل ما هو معاد للشعوب وللتقدم وللعدل وللديمقراطية وللسلام.

سيدي الرئيس:

لقد اكتسبت منظمة التحرير الفلسطينية شرعيتها من طليعتها في التضحية، ومن قيادتها للنضال بكافة أشكاله، واكتسبتها من الجماهير الفلسطينية، التي أولتها قيادة العمل، واستجابت لتوجيهها، واكتسبها من تمثيل كل فصيل ونقابة وتجمع وكفاءة فلسطينية في مجلسها الوطني ومؤسساتها الجماهيرية، وقد تدعمت هذه الشرعية بمؤازرة الأمة العربية كلها لها، وكما تكرس هذا الدعم في مؤتمر القمة العر

لا تتوفر نتائج حالياً