مقال : الذكرى المئوية للحرب العالمية... بقلم:عمر الغول

الإثنين 19 نوفمبر 2018 05:43 م بتوقيت القدس المحتلة

الذكرى المئوية للحرب العالمية... بقلم:عمر الغول

الكاتب: عمر حلمي الغول

أسدل الستار في 11 تشرين ثاني/ نوفمبر 1918 على الحرب العالمية الأولى بعد أزهقت أرواح أكثر من عشرين مليونا من بني الإنسان، ولم يكن إغتيال ولي عهد إمبراطورية النمسا- المجر وزوجته في البوسنة سرايفيو في ال28 من حزيران / يونيو 1914 سوى القشة، التي قسمت ظهر البعير، وفتحت هوة الحرب العالمية الأولى بعد شهر بالتمام أي في 28 تموز/ يوليو من ذات العام. لا سيما وأن الصراع بين الأقطاب الرأسمالية على تقاسم النفوذ في العالم، والأزمات الإقتصادية العميقة داخل تلك الدول كان الأساس لنشوب الحرب الكارثية. كما أن تلك الحرب شهدت واحدة من أهم المؤامرات (سايكس بيكو 1916) في التاريخ الحديث على وحدة شعوب الأمة العربية، وشكلت الركيزة لوعد بلفور المشؤوم (الثاني من  نوفمبر 1917 )، وهو ما يكشف للقاصي والداني أن الرأسماليين لا يتورعون عن إرتكاب أبشع الجرائم وخوض الحروب دفاعا عن مصالحهم وأربحاههم دون وازع إنساني أو أخلاقي أو سياسي. وما القيم التي تنادي بها مثل: الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب سوى أدوات للتضليل وخداع الرأي العام العالمي.

ومع حلول المئوية الأولى لتلك الحرب قبل أيام، نلحظ أن العالم اليوم يقف على شفا هاوية جديدة، إن لم يتم تداركها فإن الكرة الأرضية مقبلة على كارثة عالمية أشد فتكا وتدميرا للبشرية جمعاء. خاصة وأن التطور الهائل للأسحلة النووية والهيدروجينية وغيرها من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية سيؤدي لما سبق ذكره، ويهدد مستقبل البشرية برمتها.

وتتمظهر الصورة السوداوية مع صعود قوى اليمين القومي في أميركا خصوصا وأوروبا عموما، الذي أخذ يضخ سمومه القاتلة من خلال ما ينتجه من منظومات فكرية وسياسية متخلفة ورجعية، تعمل على تهديد نسيج تلك الأمم، وتعمق الأزمات الإقتصادية والإجتماعية وبالتالي السياسية داخل كل دولة على إنفراد وعلى الصعيد الكوني. ويمكن لكل مراقب ان يرى بأم عينه ما تحمله تلك الشوفينية القومية من إنعكاسات خطيرة على مستقبل دول وشعوب العالم كله.

كما تزداد الأزمة العالمية سعارا مع إستباحة المنظمة الأممية الأولى في العالم من قبل أميركا ترامب، وتغييب مصالح وحقوق الأقطاب الأخرى، فضلا عن الشعوب الضعيفة والتابعة، التي تجري الحرب العالمية الثالثة بالوكالة على أراضيها منذ مطلع العقد الثاني للألفية الثالثة وخاصة في الوطن العربي. وتتعمق تلك الأزمة العالمية نتاج الإصرار الأميركي على التفرد بالقرار الأممي، ومحاصرة الأقطاب المناظرة والمنافسة لها في الحصول على حصتها من من كعكة العالم، وفي المزاحمة على الجلوس في مقعد الشراكة على قيادة الكرة الأرضية، وترفض الإستسلام لحقيقة تراجع مكانتها العالمية.  

هذا وتلعب دولة الإستعمار الإسرائيلية دورا إستثنائيا في تأجيج نيران الحروب في فلسطين والعالم العربي وإقليم الشرق الأوسط الكبير، لا سيما وإنها شريك إستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية في عملية العبث التراجيدية الجارية في العديد من مناطق الصراع الإقليمية والدولية. ومن يراقب سياسات وإنتهاكات وإعلانات إسرائيل المارقة في وسائل الإعلام الأميركية مؤخرا، يرى انها عادت إلى الدعوة للسيطرة على كامل الوطن العربي، وليس من النيل للفرات فقط، شعار الحركة الصهيونية التاريخي. بعد أن أقرت "القانون الأساس القومية" في تموز/ يوليو 2018، الذي يهدف للسيطرة الكاملة على كل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وتصفية خيار السلام بشكل نهائي، والذي جاء متناسقا ومترادفا مع الشروع بتنفيذ صفقة القرن الأميركية، خاصة وأن الشرط العربي المتهالك والغارق في متاهة التبعية والإستحواذ للإدارة الأميركية، والراكض في دوامة التطبيع المجانية مع إسرائيل الإستعمارية يسمح لها بالذهاب لما هو أبعد من السيطرة على الوطن العربي، إلى التسيد على إقليم الشرق الأوسط الكبير.

وهو ما يؤكد ان المخطط الأميركي الإسرائيلي في إقامة الشرق الأوسط الجديد لم ينته، ولم تستسلم إدارة ترامب وشريكتها حكومة نتنياهو لمشيئة الشعوب العربية الرافضة له، بل مازالت تدور الزوايا، وتعيد النظر في سيناريوهاتها لبلوغ هدفها الإستراتيجي. وهذا الهدف لا يقتصر في تداعياته عند حدود الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط بما فيه تركيا وإيران وباكستان، لإنه يرتبط إرتباطا وثيقا بمصالح روسيا الإتحادية والإتحاد الأوروبي والصين والهند وبالضرورة أميركا اللاتينية غير البعيدة عن دائرة الصراع مع أميركا، مما يشير إلى صعوبة بلوغ الهدف، لإنه يحتاج إلى تنازلات سياسية لصالح الأقطاب الأخرى، مما يضاعف من حدة التعقيدات والعقبات، التي تقف في وجه المخطط. ويزيد من شدة الأخطار الملازمة له، ويحمل في ثناياه تهديداً للسلم والأمن الإقليمي والعالمي على حد سواء.

لذا تملي الحاجة والضرورة الإنسانية تكاتف جهود شعوب وأمم العالم، التي عانت من ويلات الحروب العالمية، الوقوف صفا واحدا لصد الهجمة الأميركية الإسرائيلية ومن يقف معهم من قوى اليمين المتطرف في أوروبا. وهو ما يدعو أيضا القوى الحية في العالم العربي إلى إستعادة حيويتها ودورها الريادي للدفاع عن ذاتها وشعوبها والعالم ككل. وتجديد كفاحها للإرتقاء بالمشروع القومي النهضوي العربي، وإعادة الإعتبار للقضية الفلسطينية، كقضية مركزية للعرب، وبناء ركائز السلام الممكن والمقبول في فلسطين والإقليم ككل.

لا تتوفر نتائج حالياً