عندما تنتهي هذه الأزمة، لن نتذكر تفاصيل مرورها ولكن بالتأكيد سنعيش مع نتائجها.
فلسطين تمر بأزمة ڤيروس كورونا كما العالم أجمع. لمواجهة الأزمات بشكل عام، الشعوب تحتاج للقيادة والتخطيط الاستراتيجي، نلمسُ على المستوى الشعبي كفاءة ورفعة مستوى أداء الفريق الفلسطيني الوطني لإدارة حالة الطوارىء، لقد أشادت منظمة الصحة العالمية ودول عُظمى بالأداء الفلسطيني، وحتى نُدرك حقيقة دور ومكانة فلسطين في مواجهة الأزمة، سأقدم تعريفاً لكل من (الأزمة، القيادة والتخطيط الاستراتيجي) لما لهذه المصطلحات من أهمية لاجتياز المرحلة.
الأزمة تُعرف بأنها تهديد خطير للبنى الأساسية للقيم والمعايير الأساسية للنظام والذي يتطلب اتخاذ قرارات حيوية في ظل ضغط الوقت وحالة عدم اليقين والظروف غير المستقرة. عناصر الأزمات تتأرجح بين التهديد، عدم اليقين والطوارىء وكلها تتطلب صناعة قرارات حاسمة.
أما القيادة فهي تشمل التخطيط والمسؤولية وصناعة القرار. ما يلزم القائد في وقت الأزمات والطوارىء والكوارث هو التخطيط الاستراتيجي الذي يتمحور حول عملية دائرية واضحة المعالم تبدأ وتنتهي بالرؤية والقيم. سواء أكنا نتحدث عن البيت، المؤسسة، الشركة، الوزارة، الدولة، فالتخطيط الاستراتيجي ينطبق على كل مناحي الحياة الشخصية والمهنية، الخاصة والعامة.
يعرف البعض التخطيط الاستراتيجي بأنه التخطيط طويل المدى، أود التوضيح هنا أن التخطيط الاستراتيجي هو التخطيط الذي يضمن اتخاذ قرارات آنية ولو على المدى القصير ولكن يكون لهذه القرارات تأثير وفاعلية على المدى البعيد.
مراحل عملية التخطيط الاستراتيجي:
- الرؤية والقيم والمهمة
- الأهداف الاستراتيجية الذكية القابلة للقياس SMART أي (Specific, Measurable, Attainable, Realistic, Timed) ولوضع الأهداف، لا بد من:
- تحليل الواقع باستخدام تحليل SWOT أي (Strengths, Weaknesses, Opportunities, Threats)
- تجنيد الخيارات من خلال تحليل TOWS أي وضع استراتيجيات قلب نقاط الضعف والتهديد واستثمار نقاط القوة والفرص.
- مؤشرات تقييم الأداء KPIs اَي Key Performance Indicators.
- المراقبة والتقييم
- المسؤولية، المحاسبة Command & Control لتحديد الجهة المسؤولة سواء عن الفشل او النجاح
- خطة التواصل Communications plan التي تحدد الجهات المعنية وماهية المعلومات التي يجب مشاركتها
- المرونة Flexibility سِمة أساسية في التخطيط الاستراتيجي وهذا يسمح باتخاذ قرار بالاستمرار بالخطة المتبعة او تعديل بعض التكتيكات، حتى انتهاء تنفيذ الخطة، ممنوع اجراء تغييرات استراتيجية التغييرات تكون تكتيكية فقط! الا في حالة تقييم الفشل والإعلان الرسمي عن عدم قدرة الخطة لتحقيق الهدف النهائي.
البعض يظن أن التخطيط الاستراتيجي يرتكز فقط على عملية تحليل SWOT إلا أن التخطيط الاستراتيجي الذي لا يقوم بتحليل TOWS هو تخطيط غير مكتمل ويفتقر للبُعد الاستراتيجي! اليوم، اذا أسقطنا التخطيط الاستراتيجي على الواقع الفلسطيني في مواجهة أزمة كورونا، سنحلل الواقع الذي نعيشه وسندرك نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات التي تحيط بنا. إدراكنا للواقع أساس لنجاحنا ولتحقيق خطة استراتيجية واضحة الأهداف مرتكزة لمعطيات الواقع وما هو ممكن تحقيقه بعيداً عن التمنيات والأحلام المنسلخة عن الحقيقة. لنرى سوية كيف بادرت القيادة الفلسطينية في التطبيق العملي لهذه المفاهيم الجوهرية من قيادة وتخطيط استراتيجي، سارعت القيادة الفلسطينية بإعلان حالة الطوارىء القصوى فور ظهور أول حالة إصابة في فلسطين استناداً لأحكام الباب السابع من القانون الأساسي الفلسطيني والذي نص في المادة ١١٠ أنه في حالة وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية يجوز إعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً، ويجوز تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً أخرى. وأكدت على ضرورة توضيح الهدف والمنطقة والفترة الزمنية التي يشملها مرسوم الطوارىء. في الواقع، نشهد التزاماً بالمادة ١١١ والتي تضمن حقوق وحريات المواطنين خلال حالة الطوارئ.
الأزمات تولد الفرص، وفي ظل أزمة كورونا، أمامنا فرص كثيرة -سأتناولها في مقال لاحق- أننا جميعاً أمام تحدٍ كبير، التحدي ومواجهة المرحلة يتطلب قيادة وصانعي قرار يتحلون بمهارات إدارة الأزمات والتخطيط الاستراتيجي، أصحاب رؤية تسيرهم القيم. من الواجب والمسؤولية أن نأخذ الأزمة على محمل الجد وأن نلتزم بإرشادات وتعليمات الجهات الرسمية وبالتوازي على كل فرد أن يقوم بمسؤولياته الفردية تجاه المجتمع لمواجهة هذه الأزمة.
أعزائي القراء، القوة لا تأتي من ما يمكنك فعله، إنها تأتي من التغلب على الأشياء التي كنت تعتقد أنك لا تستطيع مواجهتها! مَن كان يظن أن فلسطين تحت الاحتلال وبإمكانياتها المتواضعة ستتفوق على الدول المتقدمة في مواجهة هذا الوباء الخطير، كل الاحترام للأداء الفلسطيني الفردي والجماعي على المستويين الرسمي والشعبي.
بمجرد انتهاء الأزمة، لن نذكر كيف نجحنا، كيف تمكنا من النجاة، لن نكون متأكدين حتى ما إذا كانت الأزمة قد انتهت بالفعل! ولكن هناك شيء واحد حتمي وطبيعي لكلٍ منا، عندما نخرج من الأزمة، لن نكون نفس الأشخاص وسنعيش مع نتائج هذه المرحلة، حتى نكون فخورين بالنتائج، لا بد من استثمار كل الفرص المتاحة، باحترامنا للقانون، بتعاوننا، باجتهادنا، بالعمل، بتوظيف التكنولوجيا، بمشاركة المعرفة، باستغلال مهاراتنا، بتنوير عقولنا، بالتركيز على تخصصاتنا والتزامنا بمسؤولياتنا الفردية والجماعية، باتخاذنا من الإيجابية والتفاؤل والمسؤولية شعاراً للمرحلة حتماً سنخرج مرفوعي الرأس، وفي ذكرى درويش نردد: نحن شعب يستحق الحياة.
- د. دلال عريقات: أستاذة التخطيط الاستراتيجي وحل الصراع، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.