الاحتفالُ بأعيادِ الميلادِ شأنٌ دينيٌّ يخصُّ أخوتَنا وشركاءنا في الأوطانِ والإنسانيّةِ من المسيحيّينَ بطوائفِهم المتعدّدةِ، هم يختارونَ شكلَهُ وشعائرَهُ وطريقةَ الاحتفالِ به، وهو تراثٌ وطنيٌّ وإنسانيٌّ يمتدُّ لسنواتٍ طويلةٍ حتى أصبحَ جزءاً من الثقافةِ المعاصِرةِ. ولا ينتقِصُ من أهميّةِ الاحتفالِ بهذهِ المناسبَةِ إصرارُ الشركاتِ الجشِعةِ على تحويلِ المناسبةِ الدّينيّةِ إلى فرصةٍ لتسويقِ منتجاتِها وبشكلٍ يطغى على الطابعِ الروحيِّ الذي يحملهُ عيدُ الميلادِ المجيدِ، وإنْ دلَّ ذلك على شئٍ إنّما يدلُّ على زيفِ ثقافةِ الاستهلاكِ التي أصبحت صفةً ملازمةً للحضارةِ الغربيّةِ، وهي ثقافةٌ لا علاقةَ لها بالبعدِ الرّوحيِّ والإنسانيِّ لهذهِ المناسبةِِ ولا بوضعِ الكنيسةِ في بلدانِ المشرق التي يتباكى عليها السياسيونَ وصُنّاعُ الرّأيِ والقرارِ في الدّوّلِ التي تسبّبتْ بخرابِ منطقتِنا وتقتيلِ شعوبِها دون تمييزٍ بين أتباعِ دينٍ وآخر.
الاحتفالُ بعيدِ الميلادِ المجيدِ يكتسبُ أهميّةً خاصّةً في فلسطينَ، حيثُ أصبحَ عيداً وطنيَّاً بامتيازٍ، يشاركُ فيه شعبُنا بأكملِهِ بدءاً من رئيسِ فلسطينَ حتى أصغرِ طفلٍ يُعبّرُ عن سعادتِهِ وهو يستمعُ إلى موسيقى الفرقِ الكشفيّةِ المحتفلةِ بالبشارةِ الكبرى. هكذا كرّسَ الفلسطينيّونَ علاقةَ الأخوّةِ بينَهم، فالمُسلمُ يعتبرُ كنيسةَ المهدِ أو كنيسةَ القيامةِ أمانةً في عنقِهِ كالمسجدِ الأقصى، والمسيحيُّ يوزّعُ الماءَ على المسلمينَ الصّائمينَ في رمضان ويحرسُ المرابطينَ في القدسِ وهمْ يؤدّونَ الصلاةَ في شوارِعِها. وليس هذا غريباً عن شعبٍ يعرفُ قيمةَ الانتماءِ لهذا الوطنِ الذي لا يشبهُهُ وطنٌ آخر. ولا بدَّ في هذهِ المناسبةِ من الانحناءِ إجلالاً لذكرى الشهيدِ الرّمز أبو عمّار الذي ثبّتَ دعائمَ الشّراكةِ والمساواةِ في الوطنِ عبر حرصِهِ على المشاركةِ في كلِّ المناسباتِ الدّينيةِ لكلِّ الأديانِ والطّوائفِ التي تشكّلُ معاً خيوطَ الثّوبِ الفلسطينيِّ الواحدِ، وهو دورٌ يواصلُهُ ويحرصُ عليهِ السيد الرئيس أبو مازن، ليكون عيدُ الميلادِ مناسبةً للتعبيرِ عن وحدِتنا الوطنيّةِ بأرقى أشكالِها.
*عيدُ الميلادِ المجيدِ مناسبةٌ وطنيّةٌ تجمعُ شعبَنا على حبِّ الوطنِ وعلى التمسّكِ بالوحدةِ والاعتزازِ بتاريخِ وثقافةِ فلسطين، وهي رسالةٌ للعالمِ أنَّ الأرضَ التي منحت البشريّةَ رسولَ السّلامِ يجبُ أن تتخلّصَ من الاحتلالِ والاستيطانِ الإسرائيليّ لتنعمَ هي بالسّلامِ وتواصلَ مسيرتَها في إغناءِ التّراثِ الإنسانيِّ.