خبر : رسالة من المفوض العام إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة

الأحد 25 فبراير 2024 09:25 ص بتوقيت القدس المحتلة

رسالة من المفوض العام إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة
دائرة شؤون اللاجئين -25/2/2024- صاحب السعادة

السيد دنيس فرانسيس

رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة

نيويورك

عزيزي السيد الرئيس،

في 7 كانون الأول/ديسمبر 2023، أرسلت إليكم رسالة تفيد بأن الوضع في غزة يحد من قدرة الأونروا على تنفيذ ولايتها، مع ما يترتب على ذلك من آثار إنسانية وسياسية خطيرة. ومن دواعي الأسف العميق أن أبلغكم الآن أن الوكالة قد وصلت إلى حافة الانهيار، في ظل دعوات إسرائيل المتكررة لتفكيك الأونروا وتجميد التمويل من المانحين في الوقت الذي تشهد فيه غزة احتياجات إنسانية لم يسبق لها مثيل. إن قدرة الوكالة على الوفاء بالولاية الممنوحة لها بموجب قرار الجمعية العامة 302 مهددة الآن بشكل خطير.

خلال فترة تتجاوز أربعة أشهر بقليل في غزة، قتل أكبر عدد من الأطفال، ومن الصحفيين، ومن العاملين في المجال الطبي، ومن موظفي الأمم المتحدة، مقارنة مع الذين قتلوا في أي مكان في العالم أثناء أي نزاع.

وقد تعرض أكثر من 150 مبنى للأونروا للقصف المدفعي أو بالقنابل، مما أسفر عن مقتل أكثر من 390 شخصا وإصابة أكثر من 1300 آخرين. يتم تداول العديد من التقارير حول استخدام مقاتلين من حماس أو من قبل الجيش الإسرائيلي لمباني الأمم المتحدة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتنهار آخر المستشفيات المتبقية، ويقوم الأطباء ببتر أطراف الأطفال دون مخدر، مما ينقل مستويات الألم إلى مراحل جديدة بالنسبة للأطفال وأولياء أمورهم والعاملين في المجال الطبي. كما أن المجاعة أصبحت وشيكة وفقا لخبراء الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، أصدرت محكمة العدل الدولية في 26 كانون الثاني / يناير 2024 حكما مؤقتا ملزما قانونا يقضي بأنه فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة، فيجب على إسرائيل "اتخاذ جميع التدابير في حدود سلطتها لمنع ارتكاب جميع الأعمال في نطاق المادة الثانية"[1] من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وكذلك "اتخاذ تدابير فورية وفعالة للتمكين من توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية الوخيمة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة."[2]

في الأسبوع الذي سبق صدور حكم محكمة العدل الدولية، أبلغتني السلطات الإسرائيلية أن 12 من موظفي الأونروا البالغ عددهم 30,000 موظف على مستوى الوكالة قد تورطوا في الهجوم المروع الذي وقع في 7 أكتوبر / تشرين الأول. وبصفتي المفوض العام للأونروا، فقد فصلت على الفور الموظفين المعنيين، وبذلك أنهيت علاقتهم التعاقدية بالأونروا. وقد أحيلت المسألة لمكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية للنظر فيها وكذلك أطلق الأمين العام مراجعة مستقلة لكيفية التزام الأونروا بمبادئ الحياد - ومن المتوقع أن يتم التوصل إلى الاستنتاجات والتوصيات بحلول نهاية أبريل / نيسان 2024. وما زلت أدعو حكومة إسرائيل إلى التعاون مع تحقيق مكتب خدمات الرقابة الداخلية لإثبات الحقيقة بشكل مستقل. وحتى الآن، لم تشارك إسرائيل أي دليل مع الأونروا.

وردا على الادعاءات الموجهة ضد موظفي الأونروا، أعلن 16 بلدا من المانحين وقف تبرعاتهم للأونروا مؤقتا أو تعليقها مؤقتا، والتي يبلغ مجموعها 450 مليون دولار أمريكي، في انتظار الحصول على تطمينات بشأن استجابة الوكالة وتعزيز آلياتها الرقابية. لقد حذرت المانحين والبلدان المضيفة من أنه بدون تمويل جديد، ستتعرض عمليات الأونروا في جميع أنحاء المنطقة لخطر شديد اعتبارا من شهر آذار/مارس.

وبوصفها وكالة إنسانية وإنمائية بشرية، لا تملك الأونروا قدرات مكافحة التجسس، أو الشرطة، أو العدالة الجنائية. وكباقي كيانات الأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم، يجب على الأونروا الاعتماد على الحكومات المضيفة، أو في هذه الحالة على إسرائيل كقوة احتلال، لهذه القدرات. وبغية دعم حيادها، تتبادل الأونروا بانتظام قائمة موظفيها مع الحكومات المضيفة في اقاليم عملياتها الخمسة، وكذلك مع السلطات الإسرائيلية في حالة غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. عندما اكتشفنا فجوات يمكن أن تكون أنفاق تحت مبانينا، أبلغنا السلطات الإسرائيلية باستمرار، وقدمنا الاحتجاجات لسلطات الأمر الواقع، وأدرجنا المخاوف في تقاريري إلى الجمعية العامة.

السيد الرئيس،

منذ صدور حكم محكمة العدل الدولية، كان هناك جهود منسقة من قبل بعض المسؤولين الإسرائيليين للخلط بين الأونروا وحماس بشكل مخادع، وتعطيل عمليات الأونروا، والدعوة إلى تفكيك الوكالة:

-           طالبت سلطة أراضي إسرائيل من الأونروا إخلاء مركز قلنديا للتدريب المهني في القدس الشرقية (الذي خصصه الأردن للأونروا في عام 1952) وكذلك دفع "رسوم استخدام" تزيد عن 4.5 مليون دولار أمريكي.

-           اتخذ نائب رئيس بلدية القدس خطوات لطرد الأونروا من مقرها الرئيسي الموجود منذ 75 عاما في القدس الشرقية.

-           واقتصر إصدار تأشيرات معظم الموظفين الدوليين، بمن فيهم العاملون في غزة، على شهر أو شهرين.

-           وصرح وزير المالية بأنه سيلغي امتيازات الإعفاء الضريبي للأونروا.

-           وأوقفت سلطات الجمارك شحن بضائع الأونروا.

-           وقام بنك إسرائيلي بإغلاق حساب للأونروا.

-           وتم منع المئات من موظفي الأونروا المحليين من الوصول إلى القدس منذ تشرين الأول/أكتوبر للوصول إلى مقر الأونروا ومدارسها ومراكزها الصحية.

-           وكذلك تم تقديم مشروع قانون في الكنيست لاستبعاد الأونروا من امتيازات وحصانات الأمم المتحدة.

-           ويسعى مشروع القانون الثاني، الذي طرح لأول مرة في عام 2021، إلى "تطبيق القانون الأساسي: القدس عاصمة إسرائيل، من خلال منع أي نشاط تقوم به الأونروا في الأراضي الإسرائيلية".

-           وفي 31 يناير 2024، قال رئيس الوزراء إن الأونروا "في خدمة حماس".

-           ودعا العديد من المسؤولين الإسرائيليين المانحين إلى التوقف عن تمويل الأونروا، الأمر الذي يقوض التعليم والصحة والخدمات الأخرى الضرورية لحقوق الإنسان للاجئي فلسطين.

إن هذه الإجراءات والبيانات تضر بعمليات الأونروا، وتخلق مخاطر أمنية للموظفين، وتعرقل تفويض الجمعية العامة للوكالة. ولا يمكن للأونروا، شأنها شأن أي كيان تابع للأمم المتحدة، أن تعمل دون دعم الدول المضيفة.

السيد الرئيس،

أخشى أننا على حافة كارثة ضخمة لها آثار خطيرة على السلام والأمن وحقوق الإنسان في المنطقة. على المدى القصير، سيؤدي تفكيك الأونروا إلى تقويض جهود الأمم المتحدة من أجل معالجة الأزمة الإنسانية في غزة وتفاقم الأزمة في الضفة الغربية، وحرمان أكثر من نصف مليون طفل من التعليم وتعميق الاستياء واليأس. وعلى المدى الطويل، سينهي هذا الدور الذي تقوم به الأونروا لتحقيق الاستقرار، وهو دور معترف به على نطاق واسع، بما في ذلك من قبل كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين والمانحين الرئيسيين، باعتباره حيويا لحقوق وأمن الفلسطينيين والإسرائيليين. كما أنه سيضعف احتمالات الانتقال والحل السياسي لهذا النزاع الذي طال أمده.

إن دعوات حكومة إسرائيل اليوم لإغلاق الأونروا لا تتعلق بحياد الوكالة. وبدلا من ذلك، فهي تتعلق بتغيير المعايير السياسية القائمة منذ أمد بعيد للسلام في الأرض الفلسطينية المحتلة التي حددتها الجمعية العامة ومجلس الأمن. إنهم يسعون إلى القضاء على دور الأونروا في حماية حقوق لاجئي فلسطين والتي تمثل الشاهد على محنتهم المستمرة. إن ولاية الأونروا تجسد الوعد بحل سياسي. وقبل أسبوعين من هجمات 7 تشرين الأول / أكتوبر، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الجمعية العامة خريطة لمستقبل إسرائيل تشمل كل فلسطين؛ في حين أن ولاية الأونروا المتمثلة في تقديم الخدمات للاجئي فلسطين داخل هذه المنطقة نفسها تشكل عقبة تحول دون أن تصبح تلك الخريطة حقيقة واقعة.

على مدى عقود، وفي ترتيبات يتعذر استمرارها، تركت الأونروا كوكالة إنسانية لملء الفراغ الناجم عن غياب السلام أو حتى عملية سلام. وأعتقد أن الجمعية العامة تواجه الآن قرارا أساسيا. هل سيتم محو ثوابت السلام للفلسطينيين والإسرائيليين من خلال عرقلة ولاية الأونروا ووقف تمويل الوكالة خارج أي اتفاق سياسي وبعيدا عن التشاور مع الفلسطينيين؟

أم أن لحظة الأزمة الكبرى هذه ستستخدم كمحفز للسلام؛ وفي أي حالة، فإنني أحث الجمعية العامة على تقديم الدعم السياسي اللازم للحفاظ على الأونروا ومن منطلق القرار 302 أو لتهيئة الأساس للأونروا للانتقال فورا إلى حل سياسي طال انتظاره يمكن أن يحقق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين.

وإذا اختارت الجمعية العامة الاستمرار في دعم الأونروا بما يخدم مصالح لاجئي فلسطين على أفضل وجه، فإنني أناشد كذلك إيجاد حل يسد الفجوة بين ولاية الأونروا وهيكلها التمويلي، الذي يعتمد على التبرعات التي تجعلها عرضة لاعتبارات سياسية أوسع نطاقا، كالتي تواجهها الأونروا الآن.

وأخيرا أناشد الجمعية العامة أن تعيد حقوق الإنسان والقانون الدولي إلى مركز العمل المتعدد الأطراف، بدءا بالحالة الكارثية في غزة التي تفاقمت بكل المقاييس في الأسابيع الأخيرة.

وتفضلوا، السيد الرئيس، بقبول أسمى آيات التقدير.

مع خالص التقدير

فيليب لازاريني

لا تتوفر نتائج حالياً