فتيات في مخيمات صور يمارسن حقوقهنّ في العمل.. وزيارة المحيط

الخميس 12 أغسطس 2010 11:17 ص بتوقيت القدس المحتلة

فتيات في مخيمات صور يمارسن حقوقهنّ في العمل.. وزيارة المحيط

 

دائرة شؤون اللاجئين - لم يكن سهلاً على الصبية الفلسطينية ريم أبو زهيدي (18 عاماً) أن تمتلك مقهى انترنت، وتديره. ولا علاقة للمصاعب التي واجهتها بقانون منع التملّك الخاص باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بيدَ أنّ القيود المجتمعيّة أشدّ قسوة من القيود القانونيّة.

يقع مقهى ريم في زقاقٍ ضيّق من مخيّم القاسميّة (في شمال صور)، وهو يتكون من غرفة صغيرة لا تزيد مساحتها عن عشرة أمتار مربّعة، تحتلها أربعة أجهزة كمبيوتر ليضيق المقهى بنفسه. أما السقف فيتكوّن من ألواح الصفيح (الزينكو) التي تعكس حرارة الشمس الحارقة. وسط هذا المشهد، تدير ريم مقهاها بكل اندفاع، وهي تشعر بعد خطوتها هذه بازدياد منسوب ثقتها بنفسها: «المجتمع الفلسطيني لديه تفكير خاطئ تجاه الشابة التي تخرج من منزلها لدواعي العمل».

في المنزل.. بانتظار النصيب

لتحقيق هدفها، كانَ لا بدّ لريم من كسر بعض الحواجز وإزالة بعض العقبات: «فالشائع أنّ على الشابة الانتظار في منزل ذويها ليأتي نصيبها وتنتقل إلى منزل زوجها»، كما تقول ريم، وتضيف: «إنّ هذه العادات والتقاليد من شأنها أن تقوّض من طموحات المرأة وأحلامها». وتعود إلى الظروف البائسة التي رافقت نشأتها: «فقد أجبرتني أحوال عائلتي الاقتصاديّة السيئة على أن أترك المدرسة، وأوقفت الدراسة عندَ الصفّ الثامن، وانتقلت حينها للاهتمام بالأعمال المنزليّة».

لكنّ ذلك لم يضعف من عزيمة ريم التي احتفظت بحلمها لنفسها. حلم امتلاك مقهى انترنت ـ ولو كانَت مساحته صغيرة ـ ظل يدغدغ مشاعرها من حين إلى آخر، حتى توافرت فرصة تحقيق هذا الحلم عبر دورة تأهيل مهني، بمبادرة من «جمعيّة عمل تنموي بلا حدود ـ نبع»: «وقد اخترت اختصاص الغرافيك ديزاين من بين سبعة اختصاصات مختلفة، ما مكّنني من القدرة على التعامل مع جهاز الكمبيوتر. وبعد انقضاء ستة أشهر على الدورة، تخرّجت، وتمكنت من تحقيق رغبتي بمساعدة هبة من جمعيّة «نبع»، لتجهيز المقهى بالمعدات المطلوبة».

فتيات المطبخ خارج المدرسة

في محاولة لسبر أعماق مجتمع اللاجئين الفلسطينيين، ولمعرفة المشاكل التي تعانيها الفتيات الشابات، أجرت «جمعية عمل تنموي بلا حدود ـ نبع»، دراسة ميدانيّة في تجمّعات ومخيّمات منطقة صور. وبحسب مسؤولة «برنامج تمكين المرأة» في الجمعيّة هبة حمزة: «فقد تبيّن أنّ نسبة كبيرة من الفتيات هنّ خارج المدارس ولا يمتلكن مهنة، بل تقتصر أدوارهنّ على رعاية ذويهم في المنزل، وقد لاحظنا أنّ الأهالي لا يهتمّون بتعليم الفتيات، نتيجة النظرة السائدة أنّ الفتاة نهايتها إلى المطبخ».

وفقاً للمعطيات التي قدّمتها الدراسة، كان لا بدّ من مبادرة جريئة تستهدف هذه الفئة المهمّشة من المجتمع الفلسطيني. وعلى هذا الأساس، «وبتمويل من شركائنا «وكالة التنمية الأسبانية» و«الحركة من أجل السلام» الأسبانية، وضعنا مخططا لمشروع تمكين الفتاة الفلسطينيّة وتأهيلها مهنيّاً، بحيث يتمّ استهداف 50 فتاة كل ستة أشهر. أمّا الفئة العمريّة المستهدفة فهي من 14 إلى 25 عاماً. ونظراً لمحدوديّة الميزانيّة، فقد تمّ اختيار 250 فتاة وفقاً لمعايير الفقر والحاجة».

تعقيدات وأفكار مسبقة

ما يثير الدهشة هو أنّ معظم الفتيات اللواتي انتسبن للدورات، لم يخرجنَ من محيط المنطقة التي يعشنَ بها ولا يعرفنَ المناطق القريبة منهنّ، حسبما تقول هبة حمزة: «بناءً على ذلك، تعمّدنا اختيار المعاهد التعليميّة خارج المخيّمات، بهدف التوجه إلى أماكن جديدة وإخراج الفتيات من الشرنقة. لكنّ ذلك لم يتم من دون معارضة الأهالي الذينَ رفض أغلبهم إرسال فتياتهم إلى المعاهد، لأنّ ابنتهم لا يمكنها الذهاب والعودة وحدها. ما جعلنا نعدّل ميزانيّة المشروع، لكي نؤمّن باصات تتولّى نقلهنّ من المنازل إلى المعاهد».

وتعد التوجهات المهنيّة للفتيات من الصعوبات التي واجهت المشروع، حيث إن أغلبيّة الفتيات اخترن مهنة تصفيف الشعر. وعلى الرغم من تعدد الخيارات، لم يتقبّل الأهالي أي مهنة خارج هذا الإطار: «وقد كنّا ننصح بأهميّة التنوّع والاستجابة لاحتياجات السوق المحلّي (داخل المخيّمات)، وقد توصّلنا من خلال المرشدة الاجتماعيّة إلى إقناع أعدادٍ كبيرة بأهمية العدول عن أفكارهم المسبقة تجاه بعض المهن مثل تصوير الأشعة والمحاسبة والسكرتاريا».

الأهالي: من الرفض إلى التشجيع

تلخّص حمزة أهميّة المشروع في كونه متعدد الأوجه، ويتضمّن ثلاثة أهداف: «فبالإضافة إلى تنمية الفتيات اقتصاديّاً من خلال التمكين المهني، عمِلَ المشروع على تمكينهنّ اجتماعيّاً عبرَ تطوير القدرات الذاتية للفتيات واكتساب مهارات حياتيّة جديدة كالاهتمام بالتنمية الذاتية والصحة الإنجابية والتواصل مع الآخرين وفنّ الأتيكيت، ومن جهة ثالثة استهدف المشروع أهاليهم، من خلال برنامج يُعنى بهم، ويهدف إلى تفعيل التواصل مع أبنائهم واحترام آرائهم».

اليوم، وبعدَ ثلاث سنوات على انطلاق المشروع، ثمّة تغيّرات جديرة بالاهتمام باتت ظاهرة للعيان. فقد أصبحَ الأهالي أكثر تفهّماً لعمل ابنتهم، وانتقلوا من مرحلة رفض خروجها من المنزل إلى مرحلة القبول والتشجيع، بعدما وجدوا فيها الشخص المسؤول، وبعدما ساهمَت الفتيات اللواتي تخرّجنَ بمساعدة أهاليهن لتحسين أوضاعهم الاقتصاديّة المتردية، كما تؤكّد حمزة، وتضيف: «لقد لمستُ تغيّراً في نمط التفكير لدى المجتمع الفلسطيني، وأبرز مؤشرات ذلك هي الأصداء الإيجابيّة التي حظيَ بها المشروع في مخيّمات صور. وبناءً على ذلك، سينتقل المشروع إلى مخيّمات صيدا لاستثمار طاقات الشابّات وقطعاً للطريق أمامَ استغلال الجهات المتطرفة لهنّ!».

 

لا تتوفر نتائج حالياً