الديموغرافيا .. حرب إسرائيل الخفية ضد الفلسطينيين

السبت 01 يناير 2011 09:00 م بتوقيت القدس المحتلة

الديموغرافيا .. حرب إسرائيل الخفية ضد الفلسطينيين

 

دائرة شؤون اللاجئين -   تتعدد الوسائل الإسرائيلية في محاربة الفلسطينيين، ويشكل الصراع الديمغرافي "التوزيع السكاني" أحد الطرق الإسرائيلية في المعركة المتواصلة منذ احتلال الأراضي الفلسطينية. وتعمل إسرائيل بشكل بطيء على تهجير الفلسطينيين من مدنهم وقرارهم بمختلف الطرق والوسائل، ولا يعد الأمر مقتصرا على مدينة القدس المحتلة وتتبع إسرائيل عدة طرق في تنفيذ مخططاتها التهجيرية، بينما لا تتوقف التصريحات العنصرية لضرب العرب وتهجيرهم.

ولا تترك قوات الاحتلال مكانا، إلا وتصر على تهجير المواطنين منه، ففي الضفة الغربية وتحديدا في محافظة نابلس باتت خربة طانا هدفا دائما لقوات الاحتلال بهدف دفع سكانها على ترك أرضهم، وهو الأمر ذاته الذي يحدث بشكل يومي في مدينة القدس المحتلة، وكذلك القرى ذات الطابع العربي داخل الخط الأخضر، والتي تتعرض لعمليات هدم وتهجير بحجج وذرائع مختلفة.

ويرى مراقبون أن كل الإجراءات الإسرائيلية هدفها دائما الحفاظ على التفوق الديمغرافي الإسرائيلي بأي ثمن وبأي نتيحة، حتى وصل الأمر بالدولة التي تدعي "اليهودية" أن تقبل لاجئين كانت قبل فترة قصيرة تشكك في يهوديتهم، كل ذلك بهدف زيادة اعداد اليهود ومنع أي تفوق فلسطيني، وفقا لما أكده الدكتور عدنان ملحم، استاذ التاريخ في جامعة النجاح الوطنية في حديث صحفي .

ويرى ملحم أن الفلسطينييين أنفسهم أهملوا موضوع الديمغرافيا في بعض الأحيان ولم ينتبهوا لخطورته في سنوات السبعينات والثمانينيات، بينما كان هذا الموضوع الهم الأكبر بالنسبة لإسرائيل.

وبين ملحم أن الإسرائيليين يعمدون على إظهار الصراع الديمغرافي على أنه القضية الأخطر والأهم بالنسبة لهم، وينظمون بشكل دائم المؤتمرات وعلى رأسها مؤتمر هرتسيليا لتشجيع الهجرة إلى إسرائيل وبحث آلية استقدام مهاجرين جدد.

وقال ملحم أن ما يعترف به الإسرائيليون أنفسهم أن 65% ممن هاجروا إلى إسرائيل هم ليسوا يهودا وإنما جرى تهوديهم في إطار حلقة الصراع الديمغرافي مع الفلسطينيين.

وأوضح ملحم أن تكيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وأيضا عمليات التهجير المنظمة للمواطنين من قراهم وبيوتهم تهدف بشكل أساسي إلى الاخلال بمنظومة التوازن السكاني.

ويرى ملحم كذلك أن الانقلاب في قطاع غزة أثر بشكل كبير على الميزان الديمغرافي، حيث اضطر الكثيرون إلى الهجرة من قطاع غزة، في وقت يعمل فيه الاحتلال على زيادة اعداد الإسرائيليين بشتى الطرق وأضاف:" يجب على الأحزاب أن تعي خطورة ما يحدث، وكذلك لماذا لا يكون لدينا وزارة للاستيعاب ولماذا لا يكون لدينا المؤتمرات الحقيقية التي تبحث عن شتى الوسائل الممكنة لاستقطاب الفلسطينيين في الخارج، خاصة ممن يستطيعون الدخول ". وأوضح ملحم أن من اهم إنجازات اتفاق أوسلو أنه اتاح الفرصة لأعداد من الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم.

إسرائيليون بلا يهودية

وقد صادقت الحكومة الإسرائيلية الشهر الماضي على قبول هجرة ثمانية آلاف شخص من قبيلة "الفلاشموريا" الذين يتواجدون في معسكر انتقالي في غوندار بأثيوبيا.

وكانت الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة ايهود أولمرت قد اتخذت في أغسطس العام 2008 قرارًا بوقف هجرة الفلاشا، قبل أن تعود عنه لاحقا في أعقاب ضغوط مورست في إسرائيل وبعد التماس إلى المحكمة العليا ضد قرار وقف هجرة الفلاشا.

وكان العام الجاري قد شهد وصول مجموعة من قرابة ثلاثة آلاف أثيوبي صادقت الحكومة الإسرائيلية قد صادق على هجرتهم إلى إسرائيل

ويذكر أن مندوبين من وزارة الداخلية الإسرائيلية والوكالة اليهودية يتولون تنظيم هجرة الفلاشا، بموجب ما يسمى "قانون العودة" الذي يسمح لكل يهودي في العالم بالهجرة إلى "إسرائيل" والحصول على جنسيتها وامتيازات المواطنة الأخرى. جدير بالذكر أن الحاخامية "الإسرائيلية" والتيار اليهودي الأرثوذكسي المركزي لا يعترف في الأساس بيهودية الفلاشا. في حين تشدد "اللجنة الشعبية من أجل اليهود الذين بقوا في أثيوبيا" على أنه "لا يوجد منطق ولا يوجد سبب لإبقاء أشخاص هناك رغم أن لديهم الحق بالهجرة إلى إسرائيل، ويجب أن يكونوا هنا معنا في إطار تحقيق الصهيونية".

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد عاشت قبل عامين حالة من الذعر، بسبب نقص أعداد المهاجرين، وليس ذلك فقط، بل أن الهجرة العسكية إلى خارج إسرائيل أصبحت هي المسيطرة. وفي العام 2008 أصبح مغادرو إسرائيل أكثر ممن يهاجرون إليها، وفقا لمعطيات سابقة لدائرة الاحصاء الإسرائيلية، الأمر الذي حول "الهجرة العكسية" إلى كابوس يزعج المسؤولين الإسرائيليين، وهو ما دفع سلطات الاحتلال لتسخير كل الإمكانيات لمنع هذه الهجرة، وفي الوقت نفسه محاربة أي زيادة في أعداد الفلسطينيين.

يأتي ذلك في وقت يرى فيه مراقبون أن المعلومات التي تتحدث دائما عن ارتفاع مستوى الهجرة العكسية ليس شرطا أن تكون صحيحة وإنما تحمل لغما ارضيا في داخلها، لاستقطاب المزيد من المهاجرين اليهود من العالم، وبخاصة أن إسرائيل يعجبها دائما العزف على وتر ما تسميه الشبح الديمغرافي الفلسطيني في الداخل. وتعمل بشكل دائم على استمالة عواطف يهود اوروبا وأميركا وبعض بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، والدول الإفريقية،  لتشجيعهم على الهجرة إليها، من خلال الحديث المتزايد عن نقص أعداد اليهود في إسرائيل واحتمالية أن يتفوق الفلسطينيون عليهم.

لكن العام 2010 كان اكثر ارتياحا بالنسبة لحكومة الاحتلال حيث أعلنت الوكالة اليهودية ارتفاع عدد المهاجرين الجدد إلى إسرائيل خلال عام 2010 بنسبة 16 بالمائة مقارنة بالعام الماضى، حيث وصل عدد المهاجرين إلى إسرائيل خلال العام الجاري إلى 19 ألف يهودى مقابل 400ر16 فى عام 2009 وأقل من 15000 عام 2008.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود اولمرت قد أصدر تعليمات قبل مغادرته الحكومة تقضي بضرورة تفعيل آلية التهويد في إسرائيل، والعمل بكل الوسائل الممكنة من أجل زيادة أعداد اليهود المهاجرين إلى إسرائيل، وتأمل إسرائيل أن يصل عدد المهاجرين إليها في خلال السنوات الخمس القادمة إلى300 ألف إسرائيلي.

وكثيرا ما تنشر إسرائيل إعلانات في الصحف ووسائل الإعلام الخارجية تدعو اليهود إلى زيارتها ومن ثم التفكير بالهجرة إليها بشكل دائما، وتقدم إزاء تلك الدعوات مجموعة هائلة من الاغراءات المادة والعميشية.

ويرى الدكتور عدنان ملحم أن المبالغة الإسرائيلية في الحديث عن الهجرة العكسية ونقص أعداد اليهود المهاجرين إسرائيل، ما هي إلا وسائل إسرائيلية من أجل تشجيع الهجرة من خلال الإيحاء ليهود العالم بأن الوجود اليهودي في إسرائيل معرض للخطر.

وبين ملحم أن أنشطة المنظمات اليهودية في الخارج لا تتوقف من أجل دفع يهود العالم للهجرة إلى إسرائيل.

وقال :" إسرائيل كثيرا ما تثير موضوع الصراع الديمغرافي، وتخشى من تفوق أعداد الفلسطينيين فيها على أعداد اليهود، بالرغم من أن الفلسطينيين أقلية هناك، ويتزامن ذلك مع دعوات منظمة لقادة إسرائيليين من اليمين المتطرف للقيام بعمليات تهجير جماعي "ترانسفير" للفلسطينيين في إسرائيل

وأوضح ملحم أن إسرائيل تقود حربا "ديغرافية" ضد الفلسطينيين أكثر من مجرد الحديث عن أرقام في تزايد معدلات الهجرة أو انخفاضها.

يهود أميركا الأكثر استهدافا

وكثيرا ما تركز إسرائيل على ضرورة هجرة يهود أميركا إليها، وتشير الاحصائيات إلى أن 70% من اليهود في الولايات المتحدة لم يزوروا إسرائيل بشكل نهائي، ولا يفكرون حتى بزيارتها. ومما يثير قلق تل أبيب هو أن استطلاعات الرأي أظهرت أن نصف يهود أميركا لا يأبهون بما يحدث في إسرائيل، ولن يكترثوا إذا ما زالت "الدولة اليهودية" عن الوجود

ويرى الخبير الإسرائيلي والسكرتير السابق في الحكومة الإسرائيلية ابراهام تيروش أن الهجرات اليهودية إلى إسرائيل لا تعتمد على الانتماء القومي وإنما يضطر اليهود للهجرة بعد شعورهم بالعداء في البلدان التي يعيشون فيها، إضافة إلى الدوافع الاقتصادية.

ويرى تيروش أن صلة اليهود في الخارج بإسرائيل باتت واهنة جدا، وفي أحيان أخرى لم تعد قائمة أصلا. وأضاف:" هناك محافل يهودية عالمية ممن يملك الوسائل والامكانيات تعمل في الخارج لتثبيت الجاليات وتعزيز اليهودية، وليس لتشجيع الهجرة؛ وقوة جذب إسرائيل لم تبدد تماما فحسب، بل انها تعتبر اليوم دولة من الخطر العيش فيها ووجودها موضع شك، وهي تخيف اليهود أكثر بكثير من ظاهرة اللاسامية في دولهم".

وفي أعقاب الفشل في دفع اليهود للهجرة لإسرائيل تم تشكيل جمعيات ومنظمات خاصة الهدف منها تهويد سكان من بعض الدول الفقيرة وحملهم على اعتناق الديانة اليهودية مقابل خدمات كبيرة يحصلون عليها في إسرائيل مثل الأرصدة في البنوك والشقق السكنية والمشاريع التجارية.

وكانت نتائج احصائيات عُرضت سابقا في عهد أولمرت بينت أن 300 ألف مهاجر جديد ممن صنفوا ضمن مستحقي العودة ليسوا يهودا ولم يتم اثبات اصولهم اليهودية بل تم تهوديهم بدوافع الهجرة. وكثيرا ما يكون هؤلاء الأشخاص من الدول الإفريقية الفقيرة وبعض القبائل من الدول الأسيوية في الهند وغيرها.

وطالبت أوساط إسرائيلية مختلفة بأن يتم السماح للحاخامات اليهود بالقيام بعمليات التهويد في العالم، وعدم حصر الأمر بـ"المهودين الشرعيين" من أجل تسريع معدلات الهجرة.

محاربة فلسطيني الداخل

وفي الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل على زيادة أعداد اليهود المهاجرين إليها، فأنها لا تترك طريقة لمحاربة الفلسطينيين في الداخل، إلا وتمارسها ابتداء من عمليات هدم المنازل في النقب واللد ويافا وغيرها من المناطق، ومرورا بالضرائب الكبيرة ومن عمليات البناء تحت ذرائع عدم الترخيص، وأيضا الحرمان من الوظائف وغيرها من الطرق التي تسلكها الحكومة الإسرائيلية لدفع الفلسطينيين في الداخل إلى التفكير بالهجرة إلى خارج إسرائيل، وأيضا خلق صورة مسبقة لدى فئة الشبان بأنه من الصعب إنجاب عدد كبير من الأبناء في ظل الواقع الحالي، والاكتفاء بطفل أو إثنين، أو حتى الوصول إلى عزوف الشباب العرب عن الزواج، في ظل جملة المحبطات الإسرائيلية.

 

 

لا تتوفر نتائج حالياً