قلق في مخيمات لبنان على غزّة : الرمز الهاتفي 970 أداة الاتصال الوحيدة بين الأهل في لبنان وغزة

الخميس 06 يناير 2011 04:53 م بتوقيت القدس المحتلة

قلق في مخيمات لبنان على غزّة :  الرمز الهاتفي 970 أداة الاتصال الوحيدة بين الأهل في لبنان وغزة

 

دائرة شؤون اللاجئين - أصبح الرمز الهاتفي 970، الصلة الوحيدة بين الغزاويين المقيمين في لبنان وأقاربهم في القطاع المحاصر لا شيء يبشّر بالخير بداية هذه السنة بالنسبة إلى الغزّاويين وأهلهم في المنافي ومنها لبنان. الجميع، وقد مرّت الذكرى الثانية للحرب منذ أيام، متخوف من عدوان إسرائيلي جديد على هذا السجن الواسع في الهواء الطلق.

يخشى غزاويو لبنان من أن تكون الاعتداءات الأخيرة على القطاع مقدّمة لعدوان جديد على غرار الذي صبّه منذ عامين بالتمام والكمال، المحتل الإسرائيلي في عملية الرصاص المسكوب. تخفق قلوب أهل الشتات لقلوب تخفق هناك. تخفق وجلاً، على الأقارب في القطاع المحاصر من كل حدب وصوب، «فإسرائيل ما إلها رب» على حد قول الحاج أبو حسين عطية الذي غادر القطاع منذ احتلال إسرائيل له في عام 1967. كان عمره آنذاك 26 عاماً. اليوم، ومنذ وضع رمز لغزة في تصرف المتصلين من لبنان، أصبح لعطية عادة أسبوعية، فهو يتوجه كل اثنين من حيث يقيم في مخيم عين الحلوة إلى «السنترال» للاتصال بأقاربه هناك، الاتصالات الأخيرة خلصت، كما قال، إلى أن «آخر المعلومات الواردة من غزة تفيد بأن الوضع غير طبيعي هناك، وأنّ الناس متخوفون من قيام إسرائيل بعدوان جديد»، يكتفي أبو حسين بالقول «الله يحميهم، ففي العدوان الأول سقط ابن أخي عبد شهيداً».

في شوارع صيدا عثرنا على غزاوي آخر هو بائع القهوة المتجول في شوارع المدينة الجنوبية التي يقع في نطاقها عين الحلوة. أبو حسن التايه قال إن كنيته تدلّ على واقعه. فهو «تائه منذ أن غادرت غزة وتركت إخوتي وناسي هناك، من وقتها لم أر بلادي ولا أهلي، تسعون بالمئة من أفراد عائلتي ولدوا بعد مغادرتي القطاع». مواجع أبو حسن من ألم الغربة وخوفه من تجدد العدوان دفعاه إلى مضاعفة اتصالاته الهاتفية مع إخوته في غزة. يقول «للضرورة أحكام، فقد كنت أتصل مرتين أو ثلاث مرات في الشهر للاطمئنان إلى أقاربي، لكن مع الأوضاع الخطرة باستمرار في غزة، ارتفعت وتيرة مكالماتي. بدّي طمّن بالي شو بعمل؟». ثم يختار المزاح فيطقطق بفناجين قهوته هاتفاً «يا غزة لا تهتزّي شدّة وتزول».

ومن سنترال قريب من «مقرّ» عمله في شارع رياض الصلح في صيدا، يجري أبو حسن اتصالا بشقيقه علي، المقيم في منطقة الرمال هناك. يعلق الخط سريعاً «خوي كيفك؟ نحن بخير طمنّي عن الوضع. شو؟ في خوف يصير شي؟» يسكت لسماعه ما يطمئن ليقول بسرعة: «طيّب، ينعاد عليكم وإنشاء الله السنة بيعمّ السلام والوفاق عندكم»، ثم «يعزمنا» أبو حسن على المكالمة. نأخذ التلفون ونتحدث مع شقيقه. نسأله عن الوضع، فيجيب بحذر «والله نحن مش خايفين، شوف عمي، اللي بيجي من الله يا محلاه ونحن من القوم الصابرين». علي ردّ على سؤال «هناك خوف صحيح، فإسرائيل ما بترحم، لكن الوضع المادي والاقتصادي أصعب وبعض الناس ما معها تاكل والحصار المفروض عقّد الأوضاع الاجتماعية، والحمد الله من خير الله الولاد عم يشتغلوا في الخارج ويحولوا لنا احتياجاتنا، وغير هيك عمي ما بقدر احكي». يختم بائع القهوة الغزاوي مكالمته مع شقيقه بدعوته إلى ضرورة اليقظة على أمل «اللقاء القريب»، وهو أمل يعيش عليه أبو حسن الذي جزم لنا «أنا عائد إلى غزة، ولو بعد حين. ولو عدت في نعش»، يغتنم التايه فرصة الحديث عن أوضاع غزة ليقول «إن كل فلسطين مهددة، فهناك مجزرة ترتكبها إسرائيل بحق مدينة القدس حيث تحاصرها بالمستوطنات» لذلك يدعو إلى الوحدة الداخلية لمواجهة هذا التهديد «الوحدة ثم الوحدة الفلسطينية».

مروى الحسن فتاة فلسطينية تدرس تاريخ الحضارة الإنسانية في جامعة بيروت العربية، تتواصل عبر الإنترنت مع شقيقها الذي غادر لبنان إلى أرض الآباء والأجداد في غزة عام 1994 ويعمل مدرّساً هناك، طمأنها في آخر «تشات» إلى أن الوضع منيح والمقاومة جاهزة للتصدّي إذا ما غامرت إسرائيل بعدوان جديد، «نحن بخير، المهم أن نجتمع مجدداً و ما تخافوا علينا، صامدون هنا». تسأل مروى عبر الإنترنت ابنة خالتها سمر الخطيب «شو عاملي المسا؟» تجيبها بأنها «ذاهبة للتحضير لحفلة راس السنة»، تستودعها «سلميلي على خالتي أم وليد، وشو طابختلكم اليوم؟»، تجيبها: «من خير ألله، باميي بالدجاج».

عندما زار وفد من حملة «آسيا ـــــ1» المتّجه إلى غزة لكسر الحصار، مدينة صيدا قبل أيام كان من بين مستقبليه الغزاوي خليل الأسود الذي توجّه إلى قائد الحملة الناشط الهندي «فيروز ميثي بوروالا» قائلاً له «خدني على بلادي»، مشيراً إلى أن شقيقه محمد استشهد خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع قبل عامين داخل مسجد في منطقة المغازي استهدفته الطائرات الإسرائيلية: «فرّقنا الاحتلال عن بعضنا منذ 43 عاماً، ربما أستشهد على أرض غزّة فأتقاسم وشقيقي إحدى الحسنيين (أي الشهادة)، وعندها بيجمعنا الموت بعدما تفرقنا خلال الحياة». محاولات الأسود الذهاب في عداد الحملة اصطدمت بالإجراءات الإدارية، عندها أودع الرجل علَم بلاده أمانة مع الوفد لكي يظللوا به ضريح شقيقه. وبانتظار وصول القافلة يجري خليل اتصالاً بابن شقيقته الذي يعمل دبلوماسياً فلسطينياً في الأردن. يسأله «شو خال برأيك بيصير شي بغزة؟ عم يقولوا إن إسرائيل عم تتحضر عسكرياً لشن عدوان. إذا شي خالي بلكي بتجيب امك على الأردن وبيجي أنا وبشوفها، صرلي من 1982 ما شفتها، بدي ضمّها قبل ما موت».

غزاوي آخر هو محمد هديان، تحدّث عن «توأمة الهمّ» بين غزاويي القطاع وغزاويي لبنان «ففي عين الحلوة كما القطاع، محاصرون بلقمة العيش وبازدياد صعوبة الحياة، وليس لدينا لقمة خبز، الهمّ المعيشي والاقتصادي يقرّب المسافات فيما بيننا».

منذ وضعت الدولة اللبنانية خطاً مباشراً بين لبنان وغزة وهو يكاد يكون «فشة الخلق» الوحيدة في حياة الغزاويين في الخارج وفي البلاد. هكذا أصبح الرمز الهاتفي 970، الصلة الوحيدة بين الغزاويين المقيمين في لبنان وأقاربهم في القطاع المحاصر والمهدد بعدوان إسرائيلي جديد كما يعتقدون، كما كان خلال عدوان «الرصاص المصهور» الإسرائيلي، الطريقة الوحيدة لتطمئنّ القلوب في الشتات على الناس في الداخل. «ألو هنا غزة، ألو هنا لبنان، نحن بخير طمنونا عنكم»، متى تنتهي المكالمات المبلّلة بالدموع؟!.

 

 

لا تتوفر نتائج حالياً