فن التطريز.. حضور في الحياة الفلسطينية رغم صعوبة التسويق

الخميس 09 يونيو 2011 07:25 م بتوقيت القدس المحتلة

فن التطريز.. حضور في الحياة الفلسطينية رغم صعوبة التسويق

 

جنين - رنا خلوف

دائرة شؤون اللاجئين - لا يزال فن التطريز الفلسطيني يمارس من  قبل النساء الفلسطينيات، فهو فن تناقلنه عبر الأجيال، ووسيلة مفيدة لملء وقت الفراغ، وهو فن لا يندثر لأنه يعبر عن التراث والهوية الفلسطينية، رغم محاولة المحتلين سرقته وطمسه.

ولم تنقطع النساء في محافظة جنين هذه الأيام عن التطريز، رغم صعوبة تسويقه وحاجته للوقت والجهد وقلة إقبال الناس عليه.

فدوى ساق الله من محافظة جنين قالت لـ'وفا': أشكّل بيدي المطرزات ذات الطابع التراثي منذ سنوات، وأتفنن في عمل اللوحات والإكسسوارات. التطريز فن تراثي ودورنا نحن النساء أن نؤمن استمراريته في الأجيال القادمة، كما أنني أعتمد عليه كمصدر دخل.

وأضافت ساق الله: وفّرت أقساط  ابنتي الجامعية من بيع المطرزات، إذ إن دخل زوجي قليل جدا، ولا يكفي لسد احتياجاتنا في ظل ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش.

وعن تسويق المطرزات، قالت ساق الله: إنها تعرض بعض إنتاجها من المطرزات في المعارض المحلية التي تقيمها الجمعيات النسوية، وتبيع البعض الآخر في الدول العربية عن طريق الأقارب والأصدقاء، مشيرة إلى رضاها وسعادتها بهذه المهنة النبيلة ذات الجدوى المقبولة نسبيا، في ظل ارتفاع نسبة البطالة في الأرض الفلسطينية بسبب عوامل عدة، أساسها الاحتلال.

ويعود التطريز إلى عهد أجدادنا الكنعانيين حيث استخدمته المرأة الفلسطينية في تزيين ملابسها، وصممت عروق التطريز بنفسها واستوحتها من البيئة المحلية، كرسم عروق السرو والليمون، واستخدمت الزخارف الإسلامية في رسم المطرزات الجميلة، كما عبرت في رسوماتها عن حياة الفلاح الفلسطيني ونضاله والمراحل الصعبة التي مر بها.

ولا يقتصر تطريز المرأة الفلسطينية على الملابس فقط، بل تستخدمه لتزيين المخدات والشراشف والأغطية والمناديل بخيوط الحرير، بإبرة يدوية على قماش التطريز المصمم بطريقة معينة لإدخال الإبرة وإخراجها.

أما نادية بدارنة من بلدة يعبد جنوب غرب جنين، فقالت إنها تشتغل في التطريز، لأنه فن تراثي تعلمته وتعودت عليه من صغرها، وصارت تستخدمه كمهنة لها تعلمه للبنات في المراكز النسوية، وتستفيد من ثمنه القليل عن طريق عرضه في المعارض أو إرساله مع المعتمرين إلى المملكة العربية السعودية.

وتجتمع آراء النساء في محافظة جنين على أن التطريز فن يتناقل عبر الأجيال، وهو تجسيد للتراث والهوية الفلسطينية وله عائد اقتصادي، لكنه قليل.

وقالت كل من سهى كميل، وفائدة أبو عبيد، وتهاني خالد، وهن أعضاء في جمعية المواهب النسائية، إنهن يجدن صعوبة في تسويق المطرزات بسبب ارتفاع أسعارها الناتج عن ارتفاع التكلفة خاصة خيوط الحرير التي تضاعفت أسعارها، وكل ذلك يؤدي إلى قلة الطلب في ظل تدني الدخل للأسر الفلسطينية.

وتابعن: نعمل في فن التطريز لأننا تعودنا عليه منذ الصغر وأصبح جزءا من حياتنا، وأشرن إلى أن التطريز يساهم في تقوية العلاقات الاجتماعية عند الالتقاء في الجمعيات والمراكز والمعارض، وعند تقدميه هدية للأقارب والأصدقاء يبقى ذكرى طيبة في بيوتهم.

وتتنوع الغرز المستخدمة في التطريز ومنها: التصليبة، والتحريري، واللف، والسناسل، والمد، والتسنين، والزكزاك، والتنبيتة، والماكينة، وزرع الحرير، وتختص المدن والقرى الفلسطينية بنوع محدد من الغرز يدل من يراها على المنطقة التي أنتجتها، فالقطبتان الشائعتان في غزة هما القلادة والسروة، وفي رام الله يفضّلون قطبة النخلة واللونين الأحمر والأسود.

 والتطريز متقارب في بيت دجن، ويظهر فيه تتابع الغرز التقليدي، أما الخليل فتمتاز بقطبة السبعات المتتالية وتكثر فيها قطبة الشيخ، ويطرّزون الثوب من خلفه، على شريحة عريضة في أسفله، وهذا من أثر بدوي يظهر أيضا في بيسان شمالا وبئر السبع جنوبا. وثمة غرزة منتشرة بين الجبل والساحل تسمى الميزان، وغرزة الصليب هي الأكثر شيوعا في المطرزات الفلسطينية ولكنها لا تظهر في مطرّزات بيت لحم.

وقالت رئيسة الجمعية النسائية الثقافية للتراث الشعبي الفلسطيني هيام أبو زهرة، لـ'وفا': إن الجمعيات النسوية حريصة على إبقاء فن التطريز حاضرا في الحياة الفلسطينية.

وأضافت: ولذلك نقوم بعقد دورات متخصصة في هذا الفن للنساء وخاصة الجيل الجديد منهن، وتشجيعهن على استخدام الغرز التراثية القديمة ومن بعض مسمياتها: غرزة الماء، التحشاية، اللف والتيج، مؤكدة أن التطريز يساهم في حفظ الذاكرة الوطنية، عدا عن مردوده المالي، ولو كان قليلا.

وأضافت 'نؤمّن للنساء المواد الخام اللازمة للتطريز ونساعدهن في تسويق إنتاجهن، كما ندفع لهن أجرا على أعمالهن لتعود بالنفع عليهن أيضا'. 

 وركزت أبو زهرة على أن الهدف الأساسي من تعليم التطريز وعرضه في المعارض محليا ودوليا، هو إبراز التراث الفلسطيني والحفاظ عليه وحمايته من محاولات إسرائيلية ممنهجة لسرقته.

أما مدير مديرية الثقافة في جنين عزت أبو الرب فقال لـ'وفا': إن التطريز لم يعد كالسابق يستخدم بشكل يومي حياتي عند السيدات، سواء في اللباس أو الأشياء التي تزيّن بها المنازل، بل أصبح شيئا من التراث يستخدم في المناسبات الوطنية فقط.

وعن تسويقه، أضاف 'هناك صعوبة في التسويق، فهو شغل يدوي يتطلب الوقت والجهد وهو باهظ الثمن، لا يقبل الناس عليه بسبب تدني الدخول.

وأوضح أبو الرب أن عملية تسويقه للخارج غير ميسرة بسبب ظروف الاحتلال، وعدم وجود تنسيق كاف مع الجمعيات التي تتولى أمور التطريز في الخارج، وارتفاع تكاليف السفر، وعدم وجود الدعم المادي الكافي  لجميع الجمعيات في جنين.

وتابع: وزارة الثقافة تسعى دائما من خلال برامجها وفعالياتها، إدخال فن التطريز الفلسطيني ليبقى حاضرا في ذاكرة الناس، فهو يرسخ التراث والهوية، وأيضا لمساعدة الجمعيات في عرض وتسويق منتجاتها.

وقال: على الجمعيات التي تتولى أعمال التطريز أن تنسق مع الجمعيات في الدول الأخرى عن طريق برامج الإنترنت الحديثة، لأن النجاح دائما في أي عمل يحتاج إلى جهد شخصي، وعندما تتابع الجمعيات أعمالها باستمرار ستنجح في تسويق منتجاتها، ولفت إلى أن الوزارة تقدم الدعم لهذه الجمعيات بحسب الإمكانات المتاحة.

أما مدير عام جمعية إنعاش الأسرة نبيل عنبتاوي، فقال لـ'وفا' إن التطريز الفلسطيني يجب أن يبقى حيا في الحياة الفلسطينية، حماية لتراثنا من السرقة والضياع وتجسيدا للهوية الفلسطينية.

وأضاف أنهم في الجمعية يشجعونه من خلال تزويد 3000 سيدة من القرى الفلسطينية بجميع المواد اللازمة من خيوط الحرير والأقمشة لعمل قطع المطرزات، ويدفعون الأجر لهن.

وعن التسويق أضاف يتم عمل المعارض لعرض المطرزات وبيعها، لكن بيعه داخليا قليل بسبب الدخول المتدنية لدى المواطنين، أما خارجيا، فهناك إقبال شديد عليهن ويتم التنسيق مع مؤسسات عبر الإنترنت لنشر هذا التراث وتسويقه والحفاظ عليه. 

لا تتوفر نتائج حالياً