المحطة الرابعة: الانتفاضة الأولى واعلان الاستقلال

الخميس 05 يوليو 2018 11:31 م بتوقيت القدس المحتلة

المحطة الرابعة: الانتفاضة الأولى واعلان الاستقلال

الانتفاضة الأولى واغتيال أبوجهاد

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 1987دهس مستوطنون إسرائيليون بسيارتهم عن قصد وتعمد أربعة عمال فلسطينيين وأصابوا سبعة آخرين في مخيم جباليا بقطاع غزة.خرج الآلاف من سكان جباليا وغيرها في قطاع غزة في تظاهرات عنيفة احتجاجا على"  الجريمة".

وفي اليوم التالي ازدادت الـتظاهرات واتسعت في غزة، ثم امتدت إلى الضفة الغربية ومنها القدس المحتلة في اليوم الثالث.. وهكذااندلعت الانتفاضة الشعبية فجأة ودون مقدمات مرئية.

 كان عرفات في بغداد عند اندلاع الانتفاضة،وأدرك فوراً أن الكفاح قد دخل حقبة جديدة.وقال في تصريحات صحافية في الأسبوع الأول للانتفاضة : انتفاضة الأرض الـمحتلة تعبرعن رغبة الشعب في التخلص من نير الإمبريالية الصهيونية. وهي انتفاضة سوف تستمر طويلاً .

راح عرفات يعمل من أجل أن تستمر الانتفاضة إلى أطول مدى ممكن، وكان عرفات قد طلب من  رفاقه ومساعديه خاصة خليل الوزير تقديم كل الدعم  والمساندة بكافة الأشكال للقيادة الوطنية الـموحدة، التي ضمت ممثلين للفصائل الرئيسية المنضوية في إطار منظمة التحريروتشكلت سرا داخل الأرض المحتلة لقيادة وتنسيق فعاليات الانتفاضة .

و اتخذ رئيس منظمة التحريرقراراً مهماً: منع استخدام الأسلحة النارية في فعاليات الانتفاضة، وقال"إن قوتنا لا تكمن في طبيعة السلاح بل في عدالة قضيتنا، وسلاح الحجارة سوف يقود إلى النصر".

حاولت إسرائيل زرع الشقاق بين القيادة الـموحدة في الأراضي الـمحتلة وبين القيادة في تونس. غير أن العلاقات بينهما  ظلت وثيقة، وقد حرص عرفات على ألا يسمح لشيء بتعريض الوحدة الوطنية للخطر، وساهم المناضلون الذين  كانت سلطات الاحتلال تبعدهم من الأراضي الـمحتلة مساهمة كبيرة في تعزيز قدرةعرفات في السيطرة على الوضع، فمعرفتهم بالواقع الـميداني وبنقاط ضعف الجيش الإسرائيلي، قد أتاحت لأبي جهاد، الصديق الذي يعتمد عليه عرفات والـمسؤول  عن دعم وإسناد الانتفاضة تنسيق العمل ضد الاحتلال من تونس بشكل افضل .

استمد عرفات من الانتفاضة قوة سياسية كبيرة وساعده في ذلك حجم التعاطف الشعبي والرسمي عربيا ودوليا مع صورة الشعب الأعزل الذي ينتفض للتخلص من الاحتلال.ومع تعاظم الانتفاضة وتحقيقها مكاسب إعلامية وسياسية للقضية الفلسطينية زادت إسرائيل من بطشها وقمعها ،وفكر قادتها بوضع حد لها عن طريق اغتيال خليل الوزير" أبو جهاد" الذي كان يتولى المسؤولية المباشرة لدعمها وتوجيهها . 

كان اغتيال القائد الأسطوري للذراع العسكرية لـمنظمة التحرير، والـمكلف بعمليات الـمقاومة في الأراضي الـمحتلة هدفا لإسرائيل منذ زمن طويل،ولكن هذه المرة  تم الإعداد "جيدا" من قبل الإسرائيليين.و في أوائل آذار/مارس  1988  اتخذ  القرار باغتياله. وجاء  تنفيذ الجريمة  في ليلة 15/16نيسان/أبريل  في منزله في تونس حيث أطلق عليه القتلة 70رصاصة .

أصبح  أبو جهاد الشهيد الثاني والأربعين بعد الـمئة من شهداء الانتفاضة. و أثار اغتياله مظاهرات عنيفة في الأراضي الـمحتلة ، سماه عرفات " أميرالشهداء" .

ووصف بأنه" أول الرصاص وأول الحجارة"، وأصبح رمزا للانتفاضة، التي بدا أنها لن تتوقف.

وفقد ياسرعرفات بذلك  نائبه في قيادة قوات الثورة و أقرب أصدقائه ورفيق درب عمره وكفاحه لأكثر من 34 سنة. 

نُقل جثمان أبي جهاد إلى دمشق، ووري الثرى يوم 20 نيسان/أبريل ، في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك. وتغيب عرفات عن الجنازةبسبب رفض دمشق لدخوله، لكنه وصل إلى العاصمة السورية بعد الدفن بثلاثة أيام ليتوجه بعد وصوله المطار إلى مقبرة الشهداء. استقبله سكان مخيم اليرموك استقبالا حافلا ،وخرجت تظاهرات حاشدة حمل خلالها المتظاهرون سيارة عرفات ورفعوها عن الأرض ..كان مشهدا مؤثرا جدا ..هاهو عرفات يحظى بكل هذه الحفاوة والترحاب في دمشق التي طرده منها قبل خمس سنوات الرئيس السوري حافظ الأسد. ووجد الرجلان فرصة للقاء وفتح صفحة جديدة .

لقد  قلبت الانتفاضة الـمعادلة السياسية: فمنذ السنة الأولى لاندلاعها أصبح العالـم كله ينظر إلى عرفات بعين الاحترام والتبجيل رغم محاولات إسرائيل والولايات المتحدة لتجاوزه.

وحين رتب الاميركيون لعقد  لقاء بين الشخصيات الوطنية الفلسطينية وبين وزير الخارجية الاميركي جورج شولتزفي القنصلية الاميركية في القدس المحتلة، أبلغه الوفد الفلسطيني بأن "العنوان الوحيد الذي يمكنه الحديث باسم الفلسطينيين هو ياسرعرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في مقره في تونس".

وحظي عرفات باستقبال حافل آخرفي القمة العربية الطارئة في الجزائرفي حزيران /يونيو1988والتي عقدت لبحث الوضع في الأرض المحتلة.وفي القمة سجل الملك حسين موقفا جديدا وأعلن أن الأردن ليست له أي مزاعم في الأرض الفلسطينية ليتبعها بعد ذلك بأيام بقرارفك ارتباط الأردن مع الضفة الغربية،فسارع عرفات بعد التشاورمع قادة المنظمة إلى إصدارمرسوم  من مكتبه في بغداد بتحمل المنظمة لكافة المهام التي تخلى عنها الملك حسين، واعتبرعرفات أن  تحمُل هذا العبء الثقيل هو أيضا خطوة عظيمة الأهمية نحو الدولة الفلسطينية الـمستقلة، والنصر الكبير الأول للانتفاضة.

إعلان الاستقلال

لم يكن سهلا على عرفات أن يقنع رفاقه بأن الأوضاع تقتضي مرونة وتغييرات في أدوات النضال، خاصة وأن المنظمة باتت مسؤولة عن الضفة الغربية وقطاع غزة بعد قرار الأردن فك ارتباطه بالضفة الغربية ،وهي تقود انتفاضة شعبية سلمية .ولكن بعد جهود مكثفة استطاع عرفات الحصول على إقرارمن قيادة المنظمة بتغييراستراتيجيتها،وذلك في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر 12ـ15 تشرين الثاني /نوفمبر 1988 التي اعتمدت وثيقة إعلان الإستقلال، وتلاها ياسرعرفات بنفسه "إن المجلس الوطني يعلن،باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين  على أرضنا  الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".

كما اعتمدت الدورة برنامجا سياسيا  قبل بموجبه قرار مجلس الأمن الدولي 242 ودعاإلى انعقاد المؤتمر الدولي الفعال الخاص بقضية الشرق الأوسط ، وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ العام 1967م ، وإلغاء جميع إجراءات الإلحاق والضم وإزالة المستعمرات، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة.كما دعا المجلس الأمم المتحدة لوضع الأرض الفلسطينية تحت إشراف دولي .
وقرر تشكيل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين في أقرب وقت ممكن وطبقاً للظروف وتطور الأحداث .
وفورااعترفت الجزائربالدولة الفلسطينية المعلنة لتتوالى بعد ذلك اعترافات 127دولة في العالم بهذه الدولة "الوليدة".لكن عرفات كان يعرف تماما أن القرار الحاسم بهذا الشأن يعود للولايات المتحدة وإسرائيل، ولهذا تحرك في هذا الاتجاه .ووصل عرفات يوم 6 كانون الاول/ديسمبر إلى العاصمة السويدية ستوكهولم حيث استقبل استقبالا رسميا بمراسم الشرف كا يليق برؤساء الدول ،وهناك اجتمع بخمسة من  اليهود الاميركيين من أنصار السلام ليتمخض اللقاء عن "وثيقة ستوكهولم" الشهيرة ،وهي خطاب موقع من عرفات وموجه إلى وزير الخارجية الاميركي جورج شولتز يعرب فيه عن الاستعداد للدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل في إطار مؤتمر دولي بهدف عقد اتفاقية سلام شامل تضع حدا للنزاع العربي الإسرائيلي على اساس قراري 242و338. وأن المنظمة   تلتزم بالعيش بسلام مع إسرائيل وتعترف بحقها في الوجود والعيش داخل حدود آمنة ومعترف بها ،مثلها مثل الدولة الفلسطينية التي تعتزم منظمة التحرير الفلسطينيةإقامتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967.وأنها تدين كل الأعمال الإرهابية التي يقوم بها أشخاص أومجموعات أو دول على حد سواء .

لقيت هذه الوثيقة  اصدا ءمتباينة في الساحة الفلسطينية، رحب بها الكثيرون وتعرضت لانتقادات خاصة من جورج حبش ونايف حواتمة ،لكنها لاقت ترحيبا عربيا دوليا واسعا باستثناء الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل .

لا تتوفر نتائج حالياً