محطات من حياة الرئيس ياسر عرفات .. المحطة الأولى: المولد والنشأة

الجمعة 06 يوليو 2018 01:19 ص بتوقيت القدس المحتلة

محطات من حياة الرئيس ياسر عرفات .. المحطة الأولى: المولد والنشأة

حياه لا تنسى

ياسر عرفات قائد الشعب الفلسطيني ومفجر ثورته الحديثة ،وأحد أبرز القادة العظام في العالم خلال القرن العشرين، خاض نضالا وجهادا لا يلين طوال أكثر من نصف قرن على مختلف الجبهات، أعاد الحياة لاسم فلسطين ولقضية شعبها في الوعي الانساني، ووضع القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية العالمية.

ومنذ ولادته حتى استشهاده، كأن فلسطين كانت على موعد مستمر معه ومع ذاتها، فقد حمل "ياسر" في مسيرة حياته كلها فلسطين .. وطنا وقضية .. أملا وهما .. حملها والتصق بها إلى درجة صار فيها الاسمان مترادفين لسنوات طويلة .. إن ذكرت فلسطين .. ذكر عرفات .. وإن قلت عرفات .. عرف الباكستاني والهولندي والروسي والكوبي والصيني والأميركي والاندونيسي ...أنك تعني فلسطين .

ولعل ظروف النشأة الاولى لـ"محمد ياسر " أو "ياسر" هي التي صقلت شخصيته وأكسبته تلك الصبغة والقدرة المتميزة التي جعلت منه باعث الكيانية الوطنية الفلسطينية، وقائد ثورة اللاجئين الذين كادت قضيتهم أن توضع على "الرف ".. لولا ذلك الجهد الهائل والنضال المتراكم لمئات الآلاف ممن قادهم ياسر عرفات في معركة إثبات الوجود ونفي النفي ... وفي معركة تكريس حقيقة وجود الشعب الفلسطيني ومنع اندثار قضيته أو تبعثرها.

وتلك النشأة أيضا في القدس وفي ملاعب الطفولة بين جنبات الحرم القدسي الشريف ومسجد قبة الصخرة وحائط البراق وكنيسة القيامة ،هي التي جعلت وأبقت القدس حبيبة عزيزة على قلبه وعقله ..رفض التنازل عنها حتى دفع حياته ثمنا لوفائه لها.

المولد والنشأة في القدس

 ولد "محمد ياسر" عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني  .. الذي اشتهر لاحقا باسم ياسرعرفات في القدس يوم الرابع من آب / أغسطس 1929  ليكون ترتيبه السادس في أسرة الأب عبد الرؤوف داوود عرفات القدوة الحسيني والأم زهوة خليل أبو السعود ، وذلك في  منزل في الزاوية الفخرية،زاوية آل ابو السعود في الجهة الجنوبية الغربية من الحرم القدسي الشريف .

 نشأ ياسرعرفات في أجواء أسرية حميمة برعاية والده الذي كان يعمل في التجارة متنقلا بين القدس ـ حيث كان يمتلك متجرا للحبوب في سوق خان الزيت ـ وغزة والقاهرة، وأمه زهوة  التي  كانت تقيم مع  زوجها في القاهرة و تزور القدس  في كل عام ، خاصة في فترات الولادة جريا على عادة العائلات في ذلك الوقت، وكانت تقيم  مع اطفالها في منزل شقيقها سليم ،وقدانجبت ياسر وفتحي في ذلك البيت،وكانت قد سكنت مع زوجها قبل سفر العائلة إلى مصر في" الميلوية"  وفي" الواد" قرب الحرم القدسي.ورافقت زهوة زوجها عند انتقاله إلى القاهرة التي سافر اليها ليتابع قضية ميراث له من وقف الدمرداش ـ وهو من أكبر الاوقاف في مصر ـ وعمل عبد الرؤوف في تجارة القطن في القاهرة . وكانت زهوة تتردد كثيرا على القدس ومعها ياسر حتى  وفاتهاسنة 1933  بمرض في الكلى وياسرما زال دون الرابعة من عمره.

بعد وفاة "زهوة" وبناء على طلب شقيقها سليم، وافق عبد الرؤوف على أن يبقى  ياسر وشقيقه الأصغر فتحي ـ الذي ولد في القدس ايضا قبل أشهرمن وفاة أمه ـ  ليعيشافي كنف خاله سليم أبو السعود وزوجته في القدس. 

لم يكن سليم وزوجته قد رزقا بأولاد فأحاطا اليتيمين بالحب والرعاية ،وعاش الولدان معهما سنوات أربع في القدس، و كانت الأجواء العامة المحيطة بحياتهما فيها أجواء صراع ونزاع ..إحتلال ونضال ومقاومة ..فقد ولد ياسر في نفس سنة ثورة "البراق"1929، وعاش طفولته المبكرة ليشهد في القدس إرهاصات وبدايات ثورة 1936،ونشأ في وسط يعج بالمناضلين الوطنيين، الأمر الذي أثر عليه كثيرا ،حتى أن معظم ألعابه كانت تشتمل على  بنادق خشبية وتمثيلا لجنود وضباط ، كما قال شقيقه فتحي، الذي يضيف أن ياسر كان يقول له " تعال نلعب لعبة تحرير فلسطين".

وفي القدس تفتحت عيناه على هذه المدينة المحافظة التي تعبق بالتاريخ وتعج  بالقداسة في كل مكان فيها. وتعرف فيها ، لاحقا، الى الحاج أمين الحسيني عن طريق الشيخ حسن أبو السعود.

وفي السابعة من عمره شهد الطفل ياسرعرفات جانبا من أحداث ثورة 1936، وكغيره من الأطفال ساهم ياسرعرفات في رشق الحجارة وفي وضع المسامير أمام عجلات الدوريات البريطانية، وكان موجودا عندما دهم جنود الاحتلال البريطاني منزل خاله  سليم واعتقلوه بقسوة وعنف،وتعرض ياسر بنفسه للضرب من الجنود البريطانيين الأمر الذي ترك أثرا كبيرا في "الطفل" ياسر.

وفي العام التالي انتقل ياسر ليعيش في كنف والده في القاهرة.. المحطة التي استقر فيها بعد  تنقل في عمله التجاري بين القدس وغزة والقاهرة خلال السنوات الثماني الأولى من حياة ياسر 1929  -1937 ، وكان الأب يصحب ابنه ياسرمعه في بعض سفراته إلى غزة والقاهرة.

في القاهرة

انتقل ياسروشقيقه فتحي بصحبةابن خالة امهما  راجي أبو السعود إلى القاهرة في العام 1937 في رحلة بالقطارمرورا بغزة وخان يونس وسيناء. ولكن علاقة ياسر بالقدس لم تنقطع بعد وصوله إلى القاهرة، وكان خاله يذهب  إلى القاهرة لإحضار أبناء وبنات أخته لقضاء الصيف في القدس في كل عام ، واستمر ذلك حتى بدايات الحرب العالمية الثانية.

وعاش ياسر مع والده عبد الرؤوف وزوجته  نظيرة غزولي  وباقي افراد الأسرة "إنعام وجمال ويسرى ومصطفى وخديجة وفتحي ". و نظيرة غزولي  مصرية وهي الزوجة الثانية لعبد الرؤوف تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى "زهوة".

 عاشت الأسرة  في بيت مستأجر بالمبنى رقم 5 في شارع طورسينا بحي السكاكيني في القاهرة ،وكان والد ياسر صارما  يفرض انضباطا ونظاما نموذجيين في بيته...كان رجلا متدينا ،يؤدي فروضه  الخمسة يوميا ، ويقرأ القرآن بانتظام ،وقد علم أبناءه  أصول الإسلام المعتدل، مشددا قبل كل شيء على احترام الآخرين. الأمر الذي ترك بصمات واضحة على شخصية الابناء. وقدقال ياسر فيما بعد:  توفي أبي دون أن يترك لي إرثا ماديا،ولكنه،في الواقع، أورثني كنزين : الشجاعة والإيمان الديني .

تعلق ياسر خلال سنواته الأولى في القاهرة بأخته الكبرى إنعام التي كانت تكبره باثنتي عشرة سنة ، وأحبها كأنها أمه ، حتى أن ياسر وبعض رفاقه من "فتح" كانوا يطلقون عليها لقب "أم المؤمنين"،وكان في طفولته وصباه يقول لها:" نعم سيدي الجنرال" عندما كانت تلومه او تعنفه ، ومن ذلك  عندما لامته لأنه هرب من المدرسة ليلتحق باصدقائه .

المدرسة الابتدائية

بعد وصوله إلى القاهرة التحق ياسر بالصف الأول في مدرسة خاصة تدعى"مدرسة مصر" وتضم فصولا من الحضانة فالابتدائية فالثانوية، وحرص ياسر في هذه المرحلة أيضا على أن يظل قريبا من شقيقه الصغير فتحي يحيطه برعايته واهتمامه رغم صغر سنه هو أيضا، فقد كانا مرتبطين معا بعلاقة خاصة جدا منذ ولادة فتحي سنة 1933 . وبرزت مواهب ياسر القيادية وميله لممارسة السلطة في المدرسة ، وأولها انه كان يتولى المسؤولية عن شقيقه الأصغر فتحي ،وأتقن في سن مبكرة الأعمال المنزلية رغم أن شقيقاته الكبيرات كن يقمن بها، لكنه كان أحيانا يعد الافطار والشاي للأسرة ـ وأتقن كي الثياب وحياكة الملابس ورتق الجوارب وتثبيت الأزرار وإصلاح الأحذية.

وبرزت مواهبه الهندسية في طفولته فأصبح مسؤولا عن أعمال الصيانة المنزلية، وقبل بلوغه العاشرة كان باستطاعته إصلاح الحنفيات والأحواض ..كان يعرف منذ مرحلة مبكرة ،و كذلك كان أفراد أسرته يعرفون أ نه سيصبح مهندسا .
واشتهر ياسر في المدرسة الابتدائية بشخصيته القيادية وقدرته على تنشيط ملكاته الذهنية وإشاعة جو من التحفز الذهني والتحدي الخلاق . وكان يجمع  سدادات الزجاجات وعلب السجائر والورق المقوى والمعلبات وصناديق الكرتون لاستخدامها في "اختراعاته ". وهنا ظهر ميله للتنظيم والتخطيط والتطوير، فقد كان مثلا ينقل فكرة لعبة ماو"يخترع " لها الأدوات اللازمة ويختبرها بنفسه ثم يمررها لشقيقه فتحي والاطفال الآخرين ، ويشكل الفرق لممارستها في حيه، ثم يقوم بتنظيم مباريات تنافسية مع فرق من أحياء وشوارع مجاورة ..وكان دائماهو قائد اللعب ،لكنه لا يتأخر عن  الاعتراف بأخطائه، و كذلك لم يكن يتاخر عن الدفاع عن "كرامة" شقيقه وبقية الاطفال من مجموعته ما أكسبه احترامهم ومحبتهم .

ونظم ياسر أول " جنازة  ذات طابع  عسكري" ، وأشرف على إعداد تفاصيلها بنفسه، ولم يكن له من العمر سوى أحد عشر عاما. كانت تلك جنازة قطه الأشقر "مشمش"، الذي شغف به ياسر وفتحي كثيرا، حتى أنهما كانا يرقدانه بينهما على سريرهما الكبير المشترك ويشركانه في كل ألعابهما. وانسجاما مع ظروف الحرب، قرر ياسر أن يقيم له جنازة عسكرية: لف جثة القط بقماشة ووضعها في علبة كرتون أعدها بنفسه،ثم اتخذ موقعه على رأس موكب الأطفال وسار بهم بخطى وئيدة نحو أرض خلاء حيث دفنوه وألقى ياسر كلمة في تأبين " الفقيد".

وشرع ياسر في قراءة الصحف في سن مبكرة ،وفي أثناء الحرب العالمية الثانية شاهد ياسرآلاف اللاجئين يتدفقون على القاهرة بعد وصول قوات ألمانية وإيطالية إلى خط العلمين في غرب مصر ، وكانت صور الدمار الذي تحدثه القنابل في الاسكندرية تملأ صفحات جريدة الأهرام .ووصل عدد من اللاجئين إلى المدرسة والمستشفى في حي السكاكيني ، وكان ياسروأصدقاؤه يزورونهم ويطلعون على معاناتهم فعرفوا مبكرا معنى اللجوء .

زاد اهتمام ياسر بالأحداث السياسية وبالخرائط والأسلحة ، وكانت شوارع القاهرة خلال الحرب  تعج بالجنود البريطانيين والهنود  والاستراليين.. والنازحين واللاجئين خاصة القادمين من الاسكندرية.. فعاش أجواء الحرب ، وعندما كانت صفارات الانذار تنطلق ليلا كان السكان يسارعون إلى إطفاء الأنوار والنزول إلى الملاجىء، وكان ياسر وشقيقه فتحي يتلوان القرآن معا في هذه اللحظات وهما على قناعة تامة أن الله سوف يحميهما .

المدرسة الثانوية

في العام 1942 التحق ياسربالمدرسة الثانوية وهوفي الثالثة عشرة من عمره، و بدأ يوسع معارفه من خلال قراءة الصحف  والمجلات و الكتب المتنوعة من الخفيفة إلى الأدبية والدينية والتاريخية. ومع قدوم ابن عمه محمد جرارعرفات القدوة من غزة إلى القاهرة لدراسة الادب في جامعتها " جامعة فؤاد الأول " أضاف ياسر إلى مكتبته الشخصية مجلدات في علم السياسة والتحليلات السياسية حصل على بعضها من محمد جرار الذي عاش مع أسرة ياسر في السنوات 1941-1946.

وفي هذه المرحلة فهم  ياسر وعاش معنى التسامح الديني ،فقد كان بين جيرانه واصدقائه المسلم  والمسيحيي واليهودي ، وفيها أيضا بدأنشاطه السياسي مبكرا من خلال المناقشات السياسية التي انخرط فيها ياسر، وكانت تدور حول تحرير الوطن والاستعمار ، ومبادىء العدالة  والثورة وحقوق الإنسان.

وخلال سنوات دراسته في المرحلة  الثانوية  تعرف ياسر بفتاة تقيم في المنزل المجاور لمنزله. كانت بين الأسرتين علاقات صداقة، فيذهب ياسر وجارته "نادية" معا إلى المدرسة مرة في الأسبوع، وربما مرتين، ويقطعان الطريق بطولها في الثرثرة. أحبها ياسر حبا جما. ذلك النوع من الحب الأول الساذج، النقي ، الأفلاطوني بحسب تعبير شقيقه فتحي، الذي قال أن هذا الحب قد انتهى مع بدء انشغال ياسربالسياسة.

وطرأت تغيرات كبيرة في حياة أسرة ياسرعرفات خلال دراسته في المرحلة الثانوية :ففي العام 1942تزوجت يسرى شقيقة ياسر من جرير القدوة الذي كان يعمل مدرسا في مدرسة  خان يونس الثانوية،وفي العام التالي 1943 توفيت زوجة الاب السيدة نظيرة.وفي العام 1944 تزوج عبدالرؤوف من زوجته الثالثة " فاطة الزهراء حمدي"، وهي مصرية انجبت له محسن وميرفت ومديحة .

وفي العام 1947 تزوجت إنعام من ضابط في الجيش المصري استشهد أثناء مشاركته في حرب 1948 .وهي نفس السنة التي انتقلت فيها الاسرة إلى بيت جديد  في منطقة "هليوبوليس" بالقاهرة.

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 كانت قضيتا التحررمن الاستعمار وهجرة اليهود إلى فلسطين من أبرز القضايا التي تتصدر النقاشات السياسية واهتمامات الاحزاب  في فلسطين والدول العربية  .وكان الطلاب يعلنون انتماءاتهم السياسية  ، ومال ياسر عرفات في هذه المرحلة  إلى ما كانت تطرحه  حركة "الإخوان المسلمون" من أفكار، خاصة لأنها كانت ترفض الأطماع الصهيونية في فلسطين، لكنه لم ينتم إليها البتة.

وكان ياسر يتردد كثيرا على بيت الشيخ حسن أبو السعود في القاهرة التي أقام فيها بعد ان نفته سلطات الانتداب البريطاني من فلسطين في العام 1945.وكان منزل الشيخ حسن يستقبل رجال الدين والعلم والسياسة والنضال في مصر والعالم  العربي،ما أفاد ياسر ووسع من علاقاته ومداركه. 

وفي العام 1947 انتقل ياسر إلى مدرسة كبيرة هي" مدرسة الملك فاروق الأول الثانوية"حيث ساهم ياسر مع مجموعة من اصدقائه في تحويلها من مدرسة هادئة لا تشارك في التظاهرات والمسيرات الطلابية إلى المدرسة الاكثرفاعلية في تنظيم التظاهرات وإطلاقها.وتم ايقاف ياسرعن الدراسة عدة مرات بسبب مااعتبره ناظر المدرسة"المدير" الدور القيادي لياسرفي التظاهرات .

وبعد صدور القرار 181عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 29 تشرين الثاني /نوفمبر1947 تصاعدت حدة التظاهرات في العاصمة المصرية ،وشارك فيها ياسر وشقيقه فتحي وتعرضا للضرب بالهراوات عدة مرات ، ولأن ياسر كان يتقدم الصفوف في التظاهرات فقد كان يتعرض للاعتقال في مرات كثيرة.

وبدأياسر  في نفس السنة 1947بالمساهمة مع مصريين وفلسطينيين آخرين في عمليات شراء وجمع الأسلحة خاصة من البدو في صحراء العلمين بمصر وذلك لحساب "قوات الجهاد المقدس "بقيادة عبد القادر الحسيني الذي كان يتلقاها في بيته بالقاهرة ثم يرسلها إلى فلسطين . 

في الجامعة: الطالب و الضابط والمناضل

كان ياسر عرفات طالبا في السنة الأولى في كلية الهندسة عندما استشهد عبد القادر الحسيني يوم 7 نيسان /أبريل 1948 في معركة جبل القسطل بالقدس .

وبعد ذلك بيومين في التاسع من نفس الشهر ارتكبت المنظمتان اليهوديتان المتطرفتان"الأرغون "و"شتيرن" مجزرة دير ياسين حيث قتل الإرهابيون نحو 360 شخصا من أهل القرية وكان معظم الضحايا من الأطفال والنساء وكبار السن.

تأثرعرفات بشدة بتطورات الأحداث في فلسطين فأحرق مع صديقه حامد أبو ستة كتبهما أثناء اجتماع في بيت للإخوان المسلمين في القاهرة،وقررياسرأن يتوجه إلى فلسطين لحمل السلاح دفاعا عن أرضه وشعبه.

بعد أيام وصل ياسر وحامد إلى غزة برفقة ضابط  من"الإخوان" ،قاتل ياسر مع قوات الإخوان المسلمين التي كانت قدمت من مصر وحاصرت "كيبوتس"كفار داروم بجنوب فلسطين .ثم انضم  إلى "جيش الجهاد المقدس " وعين ضابط استخبارات فيه .

بعد هزيمة الجيوش العربية في 1948 عاد ياسر إلى القاهرة وقد تبدلت أحواله كليا :شهد النكبة تحل بشعبه، لامس محنة اللاجئين ، وعاش هزيمة الجيوش العربية غير المنضبطة وسيئة التسليح والتنظيم ،فخرج بنتيجة تقول  "لا يمكن للفلسطينيين إلا الاعتماد على قواهم" .

وفي العام 1949 عاد ياسر عرفات إلى كلية الهندسة ، ومنذ ذلك الوقت أخذت النشاطات السياسية جل وقته إضافة إلى دراسته الجامعية وعمله كمدرس رياضيات في مدرسة ليلية  لتحمل نفقات دراسته المساعدة في نفقات الأسرة التي تراجع وضعها المادي، خاصة بعد أن قررت السلطات المصرية إبعاد الأب عبد الرؤوف في 1949 إلى غزة بحجة انه فلسطيني غيرحائزعلى إقامة دائمة في مصر.

أسس ياسرعرفات مع عدد من الطلاب الفلسطينيين رابطة أسموها "رابطة الطلاب الفلسطينيين" في العام 1950وانتخب ياسر عرفات رئيسا لها في العام 1951وتعرف إلى القائدين الثوريين المصريين  كمال الدين حسين وخالد محيي الدين في مؤتمر طلابي كبير عقد في جامعة الملك فؤاد في أيار /مايو 1951"، وهما من الضباط الاحرار الذين قادهم جمال عبد الناصر في ثورة 23تموز/يوليو 1952".وفي المؤتمر القى ياسر عرفات كلمة باسم فلسطين بعد أن أقنع منظمي المؤتمر بإدراج كلمة فلسطين ضمن جدول أعمال المؤتمر، وفيها قال"أيها الزملاء، لا وقت للكلام ولندع الرصاص يتكلم".

وشارك عرفات في دورة تدريب عسكري نظمتها الجامعة لمدة ثلاثة أشهر ثم في دورة صيفية أخرى  لمدة شهرين ، وحصل على شهادة ضابط احتياط ، وعين ضابطا مسؤولا عن الإعلام والتدريب لطلاب الهندسة الراغبين والمؤهلين للمشاركة في الأعمال الفدائية والمقاومة العسكرية ضد البريطانيين في منطقة قناة السويس .

فازياسرعرفات في انتخابات رابطة طلاب جامعة القاهرة  في العام 1952 واصبح رئيسا للرابطة، وبقي محتفظا  بالمنصب حتى نهاية دراسته في العام 1955.

ومنذ العام 1951 أصبح ياسر عرفات معروفا على مستوى الحركة الطلابية العالمية، وشارك في مؤتمرات طلابية في عدة دول، مثل بلغاريا ،الاتحاد السوفيتي ،تشيكوسلوفاكيا ،بولندا وألمانيا الشرقية ، وأنشا خلالها شبكة واسعة من العلاقات والصداقات والتحالفات ، وكانت قضيته الأساسية شرح أوضاع شعبه ونضاله الشجاع  أمام الرأي العام العربي والعالمي ،والمطالبة بحقوقه السياسية والإنسانية العادلة. بعد ثورة 23تموز/ يوليو 1952 سعى رئيس رابطة طلاب جامعة القاهرة "ياسر عرفات" إلى لقاء الرئيس الجنرال محمد نجيب ،وسلمه "عهد وفاء من الطلاب الفلسطينيين"مكتوبا بدمهم وفيه الكلمات"لا تنس فلسطين".ونشرت الصحف المصرية في اليوم التالي صورة نجيب يستقبل عرفات ، وكانت تلك أول صورة لياسرعرفات في سلسلة طويلة لاحقة  تنشر له مع سياسيين وعظماء.

وفي حزيران/ يونيو 1953 توفي عبد الرؤوف عرفات،والدياسر،في منزل إبنته يسرى في خان يونس إثر نزيف في المخ. وأخفت أخته خديجة  نبأ الوفاة عن ياسرلأنها لم ترغب في التشويش عليه عشية تقديمه لامتحان مهم في الهندسة ،كان موعده في اليوم التالي لتسلمها برقية من شقيقتها يسرى تعلمها فيها بخبروفاة والدهم .

وفي هذه المرحلة الجامعية  تعرف ياسر إلى عدد ممن أصبحوا رفاق دربه في قيادة الثورة الفلسطينية ومنهم صلاح خلف "أبوإياد"في القاهرة  وخليل الوزير "أبو جهاد" في غزة في العام 1954 . كان أبو جهاد تلقى تدريبا عسكريا لدى الإخوان المسلمين، وأسس نواة للفدائيين في قطاع غزة..وكان الفدائيون الذين ينظمهم أبو جهاد ينتمون بشكل اساسي إلى شرائح الطلاب واللاجئين يزرعون الألغام والمتفجرات على طريق دوريات الجيش الإسرائيلي.

اعتقلت السلطات المصرية ياسر عرفات بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر على يد جماعة الإخوان المسلمين في تشرين الاول/اكتوبر 1954 لانه كان ناشطا طلابيا ويعتبر من المتعاطفين مع الإخوان  مع انه لم ينضم اليهم البتة.ومكث عرفات شهرا في السجن .

تخرج ياسر من الجامعة في العام 1955 ، وعقب تخرجه أسس رابطة الخريجين الفلسطينيين.  ووسع علاقاته مع الاتحادات الطلابية والمنظمات السياسية على امتداد العالم ،وواصل التردد على الضفة الغربية وغزة والاردن .

وفي عامي 1956-1957، عمل ياسر عرفات مهندسا في الشركة المصرية للإسمنت في المحلة الكبرى، وهي منطقة صناعية ضخمة تقع في دلتا النيل.

التحق عرفات بالجيش المصري فور اندلاع  حرب السويس  في 28 تشرين الأول /اكتوبر 1956 "العدوان الثلاثي"  كضابط احتياط في وحدة الهندسة المتمركزة في منطقة بور سعيد،واستخدم  ياسر كل معلوماته ومخزونه من التدريبات التي تلقاها قبل عام في معسكر للجيش المصري

 

لا تتوفر نتائج حالياً