مقال : معادلة النصر والهزيمة ... بقلم: عمر الغول

الأربعاء 14 نوفمبر 2018 07:47 م بتوقيت القدس المحتلة

معادلة النصر والهزيمة ... بقلم: عمر الغول

الكاتب: عمر حلمي الغول

في الصراع المتواصل والمحتدم مع دولة الإستعمار الإسرائيلية والمشروع الصهيوني الأم وخلفهم كل قوى رأس المال الغربي الرأسمالي وخاصة الولايات المتحدة لا يقاس معيار النصر والهزيمة بالضربة القاضية، أو من خلال معركة واحدة، أو بحجم الشعارات الشعبوية المرفوعة، ولا بحجم ما تطلق أذرع المقاومة من رشقات قذائفها وما تطلق عليه مجازا صواريخ، انما الفوز والنصر يحتاج لمجموعة من الشروط والعوامل، وجميعها مدركة للأسف الشديد، وباتت بديهيات عند مختلف القوى والنخب والأفراد من عامة الشعب، ومع ذلك في زحمة الهموم والإربكات والأزمات المتوالدة في أوساط الشعب تغيب عن البال والذاكرة تلك العوامل والحوامل الذاتية والموضوعية.

ومن باب التذكير وإعمال الوعي، يمكن تدوين بعضها لإنعاش الذاكرة الوطنية، منها أولا أهم عامل من عوامل النجاح والإنتصار على العدو يتمثل في المحافظة على الوجود والترسخ والتجذر على أرض الوطن وعدم الإستسلام لمشيئة وخيارات إسرائيل الإستعمارية بالرحيل عنها تحت أي ظرف من الظروف. ولعل تجربة النكبة عام 1948 وعام النكسة 1967 خير مثال ودليل على ذلك، حيث إستفاد العدو الإسرائيلي من عمليات الطرد والتهجير للسكان في تثبيت وجوده داخل المدن والقرى الفلسطينية العربية. و يتلازم مع ذلك التمسك بالرواية والهوية الوطنية، وعدم التفريط بها، أو المساومة عليها، أو التهاون بها، أو الإنغماس في متاهة الأسرلة لإعتبارات آنية ونفعية. وتعميق ذلك بتعزيز الموروث الوطني والقومي الثقافي والحضاري في حقول وميادين الحياة المختلفة: السياسية والإقتصادية والثقافية الفنية والتربوية والإجتماعية .. إلخ.

ثانيا عدم الإستسلام لشروط وعوامل الهزيمة التاريخية الإستراتيجية والتكتيكية، وإفرازاتها وتداعياتها وإنعكاساتها على الأرض، وفرضها للحقائق بدءا من قيام الدولة الإسرائيلية الكولونيالية، مرورا بتوسعها الإستعماري، وتساوق وتطبيع  بعض العرب والمسلمين معها، ودعم الغرب الرأسمالي لها في المراحل التاريخية من عقود الصراع. وأيضا عدم إنكار الحقائق القائمة، ووضع قماشة سوداء على العيون كي لا ترى الحقائق، والتخندق في خنادق المنطق الكلاموجي الشعبوي القاصر والعدمي. لإن كلا الخيارين يصب في مصلحة إسرائيل ومشروعها الإستعماري، وبالمقابل الإساءة للمشروع الوطني والقومي. لإن التعامل مع الواقع لا يعني بالضرورة التسليم به، ولا يعني القبول بإملاءاته، ولا تبني إفرازاته وثقافته وسياساته إنما وضع البرامج والخطط المنهجية البرنامجية الجامعة للكل الوطني لمناهضته وهزيمته تدريجيا وخطوة خطوة. لا سيما وان خيار الضربة القاضية لم يعد موجودا، لإن النظام السياسي العربي غير مؤهل، ولم يعد قادرا على حمل أي من الشعارات العقلانية الوطنية والقومية للتصدي للمشروع الصهيوني وقاعدته المادية الدولة الإسرائيلية، ليس هذا فحسب، انما أبعد من ذلك، حيث باتت العلاقات مع دولة الإستعمار الإسرائيلية من أولويات العديد من الدول الشقيقة، وبالتالي النضال المستند للعدالة التاريخية والقانونية والشرعية الدولية، وتثبيت الحقوق والمصالح الوطنية، والعمل على إنتزاعها تدريجيا وبإستخدام وسائل الكفاح الشعبي المترافقة مع النضال السياسي والديبلوماسي والقانوني والإقتصادي والثقافي الكفيلة في المرحلة التاريخية الراهنة من تعزيز مكانة المصالح والأهداف الوطنية والقومية.

ثالثا تعميقا لما تقدم، فإن ركيزة الوحدة الوطنية تعتبر الرافعة الأهم لما تقدم، وتمثل الحصن المنيع لحماية الحقوق والمصالح الوطنية، وأحد دعائم وتعزيز الكفاح الوطني التحرري. ودون الوحدة يصبح كل حديث عن المقاومة والصمود مجرد لغو فارغ لا يصب أبدا في مصلحة الشعب العربي الفلسطيني. فلا مقاومة دون الوحدة، ولا إنتصار للمشروع الوطني دون الوحدة الوطنية، وكل من يدعي عكس ذلك انما يعمل ضد مصالح الشعب وأهدافه الوطنية. فلا الدين ولا المعتقدات الوضعية تقر وتدعو لغير الوحدة الوطنية في اوساط الشعوب، ولعل آية "وإعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.." خير تعبير عما ينادي به الدين، وكل الأديان تنادي بالوحدة، وكل النظريات الوضعية تنادي بالوحدة، وعليه من يرفض الوحدة او يتذرع بحجج واهية للهروب من إستحقاقاتها يكون له حسابات ومصالح تتناقض مع مصالح الشعب العليا، ولا يمكن تبرير، أو تغطية تلك السياسات الإنفصالية الممزقة لوحدة الشعب والقضية والأهداف والنظام السياسي الفلسطيني. 

رابعا  في المعارك التفصيلية التكتيكية بين دولة الإستعمار الإسرائيلية وفصائل العمل السياسي، تخطىء كثيرا أذرع فصائل المقاومة بذهابها بعيدا في خطابها الشعبوي، الذي يعتمد لغة العاطفة المجردة، والميل لتضخيم إمكانياتها وقدراتها القتالية والتسليحية، والبث المتواصل عبر المواقع الإخبارية الإليكترونية عن حجم وعدد "الصواريخ"، التي أطلقتها، كما جرى خلال اليومين الماضيين، وكأنها في حرب مفتوحة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية بحيث باتت موازين القوى تميل لصالح المقاومة! هذا غير صحيح، ومضر بالمصالح الوطنية، لإنه ينقل صورة مشوهة عن الصراع أمام دول العالم والرأي العام العالمي، حتى ليبدو للمتتبع وكأننا نملك قوة موازية لإسرائيل المسلحة بكل ألوان واسلحة الدمار الشامل النووية والكلاسيكية. مما ينعكس سلبا على صورتنا وصورة كفاحنا.

 نعم نحن ند قوي، ومواز لإسرائيل الإستعمارية بعدالة قضيتنا، وبما نملك من مقومات البقاء والصمود وببرنامجنا ووسائلنا المشروعة والواقعية في النضال للدفاع عن الثوابت الوطنية، وليس بحجم ما نملك من قذائف الهاون أو ما يطلق عليه مجازا "صواريح" بما في ذلك صواريخ الراجمات الحقيقية، التي باتت تعتبر على أهميتها بمثابة قذائف مدفعية محدودة التأثير. وبالتالي الثقل والقوة الفلسطينية لا تعتمد ولا تقاس بحجم وعدد القذائف، التي تطلق في المواجهات، رغم  انها تساهم  في رفع الروح المعنوية مؤقتا  في اوساط الجماهير الشعبية الفلسطينية والعربية، ولكن إنعكاساتها لاحقا سلبية، لإنها تعطي صورة مغايرة عن عدالة القضية والأهداف الوطنية، ويحاول المستعمر الإسرائيلي إستغلالها أبشع إستغلال. ومع ذلك بالإمكان إستخدام كل ما لدينا دون ضجيج، ودون تهويل، وفي ذات الوقت، نعمل على تقليص حجم المواجهة المباشرة مع جيش الموت الإسرائيلي، وتقليص إلى حد بعيد حجم الخسائر في أوساط الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومؤسساته المختلفة. رغم الإدراك المسبق بأن العدو الإسرائيلي لا يتورع عن إرتكاب جرائم الحرب ضد ابناء الشعب الفلسطيني. وعليه تملي المصلحة الدعوة من اللحظة الأولى في أي مواجهة لضرورة مطالبة الدول الشقيقة والصديقة والأمم المتحدة لوقف الجرائم الإسرائيلية وحروبها على الشعب الفلسطيني العربي الأعزل.

هناك الكثير من البديهيات، التي تعمق  تعزيز روح المجابهة والتحدي للمشروع الكولونيالي الصهيوني، وتصب فعلا لا قولا في مصلحة النصر الحقيقي، الذي يحتاج إلى زمن طويل لتغيير موازين القوى، وقلب المعادلات السائدة لمعادلات سياسية في مصلحة الشعب العربي الفلسطيني والنهوض القومي العربي.

لا تتوفر نتائج حالياً